الأحد، 10 مايو 2009

المحاضرة الأولى
التكامل التربوي
التربية المعرفية ( العقلية ) - الإيمانية – النفسية – الحركية .
مقدمة : الله – تعالى - يحب العباد ويرحمهم .
الله رحيم ٌ بالعباد , رءوف ٌ بهم . والله يريد أن يدخلنا الجنة . والذي يدخل النار هو الذي لا يريد أن يدخل الجنة هكذا من عند نفسه .
ولو أراد الله ألا يُعصى ما خلق إبليس !! .
وفي الحديث الشريف : ( إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة . فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ٍ إلى أضعاف ٍ كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة . فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة و لا يهلك على الله إلا هالك ).خرجه السيوطي عن ابن عباس رضي الله عنهما . تحقيق الألباني , والحديث رقم 1796 في صحيح الجامع .
وكل شخص يتركه الله ولا يأخذه بالموت فالله ينتظره !! ينتظر توبته ويحب أوبته , ولا يعاجله بالموت . فانظر رحمة الله بالعباد ! .
انظر واعتبر في قصة الرجل الذي قتل مئة نقس وقد وافته المنية في الطريق , والسؤال الوجيه هنا : لماذا لم يتركه الله – تعالى – يعبده ولو بعض الأيام ؟ .
والجواب الوجيه : لو ترك الرجل يعيش لربما تأخذه نفسه الأمارة فيعود للمعصية ويتلف توبته !! .
وقصة الكفل وهو من بني إسرائيل : حيث كان رجلا مشهورًا بالمعصية , مفسدًا في الأرض . وقد حدث أن دخلت عليه امرأة بيته ليلا فوجدها فرصة للزنا , فأبت , وهي خائفة , فقال : تخافين ممن ؟ وكل الناس يخافون مني . قالت أخاف الله ! . فقال : تخافين الله وأنت لم تفعلي شيئًا فكيف بي أنا ؟ وهي كانت ترتعد خوفًا من الوقوع في المعصية ولكنها محتاجة للمال .
فلما دخل خوف الله قلبه ؛ أعطاها المال وصرفها سالمة وبدأ يفكر وعاد إلى ربه نادمًا. ومات من ليلته . وأصبح وقد كتب على داره : غفر الله للكفل !! . فتعجب الناس .
والسؤال : ما الحكمة من أن يرى الناس ذلك ؟ وما الحكمة من أن يحكي الرسول – صلى الله عليه وسلم – قصة هذا الرجل ؟ .
والجواب : لكي يعلم كل عاص ٍ في أي زمان أن الله غفور رحيم لمن تاب إلى مولاه وعاد إلى رحابه , وإن كان الكفل , فما بلك بمن دونه في المعصية .
ولم يجعل الله تعالى للتوبة وقتا معينًا لا تصح إلا فيه ؛ فقد يقسو قلبه ولا يتوب , أو يغير رأيه , أو ربما وافت الإنسانَ منيتهُ قبل ذلك الموعد ؛ فجعلها الله في أي وقت تريده أنت , حتى لا تفوتك الفرصة . لأن الله يريد أن ينقذك , ويحب أن يرحمك , لأنه الرحمن الرحيم ! . ( كتب على نفسه الرحمة ) . الأنعام .
ولو أن رجلا حكم عليه بالإعدام وانقطع أمله وانتهى أمره , ثم فوجئ بخبر براءته . فكيف تكون فرحته ؟ .
أو امرأة عقيم مرت بها سنوات طويلة لم تلد ثم فوجئت بالحمل . فكيف تكون فرحتها ؟ .
لله أفرح بتوبة عبده من هذا وهذه . وفي الحديث الشريف : ( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد , ومن الضال الواجد , ومن الظمآن الوارد ) . خرجه السيوطي عن أبي هريرة رضي الله عنه .( ضعفه الألباني ) .
والحديث الثاني عن أبي هريرة : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه حين يذكرني , والله ِ لله ُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة , ومن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا , ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا وإن أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول ).خرجه السيوطي , في صحيح الجامع عند الألباني .
ولو علم العاصي علم اليقين أن الله ينتظر عودته , ويحب أوبته لذاب أسفا ومات خجلا !! .
والله عز وجل يقول : {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ }يس67 .
مسخناهم قردة أو حجارة وهم على معصيتهم !! .
وورد في الآثار أن الله عز وجل كشف لإبراهم الملكوت فرأى رجلا يرتكب كبيرة فقال يارب أهلِك هذا , فأهلكه الله , ثم رأى آخر على كبيرة فقال يارب أهلِك هذا , فأهلكه الله , ثم رأى ثالثا فقال : يارب أهلك هذا . فقال الله تعالى : على رسلك يا إبراهيم... إنهم عبادي !! .
وما من أحد ٍ أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل . فهذا يسب دين الله , وهذا يعبد غير ه , وذاك يجعل له صاحبة وولدًا , وهؤلا ء يقولون : ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) آل عمران 181.
وفي سورة المائدة : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
فانظر ماذا قال الله عز وجل بعد هاتين الآيتين : ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74 ) .
وفي سورة مريم ( قالوا يا مريم لقد جئت ِ شيئًا فريًا ) . أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدًا , أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا ) .
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) .
ومع هذا الكفر الصريح ستجد أن هذه السورة من أكثر السور التي ذكر فيها اسم الرحمن !!! .
وفي سورة التوبة : عتاب للمؤمنين , وتهديد للمشركين , ووعيد للكافرين , وذكر أفعال المنافقين , ومع ذلك فهي من أكثر السور التي ذكر فيها مفردات التوبة , نحو : تاب 4 مرات , يتوب 7 مرات , التائبون 1 مرة .
وانظر كيف قبل الله خالد بن الوليد وأبا سفيان , وعكرمة , وعمرو بن العاص – كيف قبلهم في صفوف المؤمنين , وجعلهم في مقدمة المجاهدين . أليست هذه رحمة الله في أجلى صورها ؟ .
وفي ختام هذه المقدمة نقول : نريد أن نتخلق بأخلاق الله : خلق الرحمة , وأن نعامل الناس بمنطق الرحمة .
من نحن وماذا نريد ؟ .
نحن من اختارنا الله – تعالى – لإنقاذ البشرية . نحن رحمة الله للعالمين .
{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ( 112 المائدة .
نحن أقصد الإخوان , ومن ينتهج طريقنا ويسلك سبيلنا , ويدعو بدعوتنا ولو لم يكن منا , وإن كان خارج صفوفنا .
ويلحق بذلك من كان متعاطفًا .
وإذا كان المسلمون هم مثال الرحمة فهم يأسفون على من يموت على غير الإسلام .
ولا يخصون كافرًا بالدعاء عليه , بل المستحب في ذلك التعميم .
ولذلك عاتب الله – تعالى – الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما دعا على المشركين ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) آل عمران 186 .
ولو أن الأمة تخلت عن دورها لاستحقت الغضب من الله . لكن الثابت أن الله عز وجل لن يستبدل هذه الأمة ؛ لأنها أمة خاتم الأنبياء والمرسلين , ولا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم – فهي المنوط بها هذا الدور .
فهل إذا تخلى الإخوان عن الدعوة والرسالة هل يستبدلهم الله ؟ .
والإجابة على ذلك هي : أن الله تعالى يمتحن المقصرين ويمهلهم مرات ومرات فإن أبوا إلا البعد والشطط ؛ فسيجدون أنفسهم خارج القافلة ويقوم غيرهم بهذه المهمة الشريفة . ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38 .
والواقع أن التقصير - إذا أردنا الإنصاف - لن يقع من كل الإخوان ومن كل العاملين وإنما من البعض .
وهنا يحضر سؤال : لماذا أصبحت الأمة الإسلامية أذل الأمم ؟ . أو لعل البعض يريد أن يقول : إن الأمة الإسلامية تتعرض أكثر من غيرها من شعوب العالم للذل والتدمير والتشريد . وهي التي تحمل رسالة الله بما فيها من خير للعالمين وهداية للحائرين .
وللإجابة عن ذلك إليك هذا المثال أولا: لو أن الرجل أعطى لأحد أبنائه دواء وأمره أن يعالج إخوته , وأعطاه بعض الهدايا الأخرى , فلم يعطهم الدواء , واكتفي بالهدايا , فظهرت فيهم الأمراض . فإلى من يتوجه لوم الوالد ؟ . إلى ابنه الذي أهمل الدواء ؟ .
أم إلى أبنائه المرضي ؟ . لا شك أن اللوم الأكثر سيكون لهذا الابن .
فالأمة الإسلامية معها المنهاج الصحيح , وهي المكلفة بهداية البشرية بإذن الله , فلما تخلت عن دورها ؛ كان هذا الابتلاء الشديد .
ولذلك جاء في الحديث الشريف : عن أنس بن مالك مرفوعًا ( سيأتي على الناس زمانٌ يدعو فيه الرجل للعامة فيقول الله عز وجل : ادع لخاصتك أستجبْ . أما العامة فلا فإني عليهم غضبان ) .
وما تراه اليوم مما يتعرض له المسلمون في كل مكان خير شاهد على ذلك .
وورد في الأثر عن من قبلنا : ( يارب أنت في السماء ونحن في الأرض فما علامة رضاك عنا ؟ . يقول الله تعالى إذا وليت عليكم خياركم فهذه علامة رضاي عنكم وإذا وليت عليكم شراركم ؛ فهذه علامة غضبي عليكم ) .
وفي الحديث عن ابن عمر : ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) . تخريج السيوطي . في صحيح الجامع عند الألباني رقم 423 .
بناء ً على ذلك فإن الخطوة الأساسية لإقامة الإسلام أن تعود الأمة إلى ربها .
فلتترك الأمة المعاصي ولتتجنب الحرام ولتتقترب من ربها بألوان الطاعات , أفرادًا وجماعات , وليصلح كلٌ من نفسه ؛ فبهذا وحده يأتي النصر .
ولا يكفي سن القوانين وحدها فقد ثبت أنها لا تقيم مجتمعًا صالحًا , ولا تعدل الموازين المائلة .
فإذا سألت : فما مهمة الإخوان ؟ .
نقول إنها مهمة تغييرية , تربية الناس , ووضعهم في المكان الذي يحب الله أن يراهم فيه . فمهمتنا في الأصل مهم تربوية وهي الفريضة الأولى .. التربية بوسائلها ..
فنتوجه للنفس من الداخل .
ولو أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – توجه للإنسان من خارج نفسه ما نجحت الدعوة ولو أقام فيهم عمر نوح .
فالنجاح عندنا يتمثل في أن نربي الفرد ليربي نفسه ذاتيًا , ويخاف الله ويراقبه من عند نفسه .
وأي دور آخر هو مطلوب ولكن الجانب التربوي يقدم على كل الأنشطة , بل كل نشاط يجب أن يكون له توجه تربوي , يقوم فيه المسؤول بربط الأفراد بالله من خلال حركتهم بالدعوة . ومتى تكون حركة الأفراد نافعة لهم ؟ .
والجواب : إذا انطلقت الحركة من قلب متزود بألوان الطاعات فإنها تكون نافعة وتعود بمردود إيماني كبير .
مثال : لو أردت أن تشعل قطعًا من الفحم فإنك لن تستطيع إلا إذا أتيت بقطعة متوهجة تضعها وسط الفحم ثم تستعمل التهوية فإن الوهج سينتشر إلى الجميع .
فإذا كان توهج الفحمة ضعيفًا كان الناتج ضعيفًا وتجمع الغبارالكثيف بلا فائدة تذكر .
فلا بد من شعاع ساطع وإيمان دافئ لكي نستطيع أن ننشر رسالتنا ونربي أمتنا ؛ لكي تصل إلى غايتها المأمولة وتحقق هدفها المرسوم .
فأين الزاد ؟ لماذا أنت غير متوهج وأنت صاحب المهمة الثقيلة ؟ .
أين مجهودك مع أبنائك ؟ .. مع إخوانك .. مع المجتمع من حولك ؟ .
الفاروق عمر جاءه خازن المال فحبسه طويلا حتى خرج إليه وقال له : عذرًا لقد كنت في قضاء وردي .
وفي يوم القادسية - وقد استمرت الحرب أيامًا – كانوا ينامون طرفًا من الليل ثم يقومون لصلاة التهجد ..دعاء واستغفارًا وابتهالا وطلبًا لنصر الله . وكذلك كانوا في كل جهادهم .
والشاعر محمد إقبال يقول : كن من شئت من الدعاة , ولكن اعلم أنك لن ترجع بطائل حتى يكون لك أنة ٌ في السحر .
ولا تكن كالذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه , فمثله كمثل الشمعة تضيء للناس وتحرق نفسها .
فالزاد ضروري لكل امرئ مؤمن أيًا كان موقعه .
ويأتي الأمر للنبي – صلى الله عليه وسلم – ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) الشرح . إذا فرغ من الجهاد ومراسلة الملوك والرؤساء , ومن تربية الأمة ؛ فليتزود بألوان الطاعات , وبالقرب من مولاه .
والإنسان أيًا كان موقعه , ومهما كانت درجته فهو عرضة للابتلاء .
فالصحابة أولو الفضل وأهل السبق يوم تبوك عوتبوا عتابًا شديدًا : ( يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير ) . التوبة .
وقالوا إن علو المنزلة يستوجب شدة الانتباه .
فلا بد إذن من الجدية . ولكن الحركة بالدعوة والجدية لا بد أن تخدم بالتربية المعرفية والتربية الإيمانية , في عملية مستمرة متواصلة .
وبالتالي نوجد الرجل صاحب الدعوة , لا موظف الدعوة .
فإذا جاء عميل قبيل نهاية فترة العمل فإن صاحب العمل يفرح , بينما يحزن الموظف لأنه يريد أن ينصرف . فنحن نريد لدعوتنا النموذج الأول .
وبأسلوب آخر: نريد ابن الدعوة بالنسب ولا نريد ابن الدعوة بالتبني ؛ لأن الإسلام قد حرم التبني .
ويوم اليمامة صدر الأمر بتميز الناس , فتميز المهاجرون والأنصار .
ووقف البراء بن مالك مناديًا في قومه : يا أهل المدينة لا مدينة لكم .
وأبو عقيل من الأنصار أيضًا سقطت كتفه إلا من الجلد ولكنه خرج من صفوف الجرحى وظل يقاتل حتى طُعن أربع عشرة طعنة , وعندما كانت تخرج روحه الطاهرة قال : ماذا فعل عدو الله ؟ يقصد مسيلمة . قيل له قُتِل . قال : الحمد لله ثم أسلم إلى الله روحه .
هذه النماذج هي التي صنعها الإيمان .
ولذلك يقول أبو الحسن الندوي : إن قوة الإيمان أقوى من القنبلة النووية .
إن صاحب القلب الحي لا يطيق السكون , يتحرك في كل مكان , يُتعب من حوله , يتعب كل شيء حتى دابته . يذهب هنا وهناك في صنوف الطاعات , يقول : يارب جئت إليك هنا لترضى عني . ( وعجلت إليك رب لرتضى ) طه .
واذكر هذه الصحبة الثنائية : سعد بن أبي وقاص , وعبد الله بن جحش , رضي الله عنهما . بم دعا الأول وبم دعا الثاني في غزوة أحد ؟ . ( .... حتى إذا بعثتني يوم القيامة وسألتني لم فعلت هذا ؟ قلت : من أجلك يارب !! .
هذه النماذج هي التي تقيم الحق في الأرض , وتنصر المبادئ بصدق .
لأنها نفذت قول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال .
فعلامة القلب السليم : الخشوع لذكر الله وهيمنة داعي الإيمان فيه .
التربية النفسية :
انتبه يوجد وحش داخلك ...عندما تقوم الليل وتصلي الفجر يوميًا , أو تنجح في أعمالك الدعوية , حينذ ٍ يتحرك الوحش ؛ فتطلب رأي من حولك فيما تقوم به من أعمال . وأنت تقصد أن تستنطقهم بالمدح !! . فاحذر العجب .
أنت تدعي ما تدعي . فأنت وشأنك . ولكن كيف قلبك من الداخل ؟ .
ولذلك عرفوا النفس بأنها مجموعة الشهوات والرغبات داخل الإنسان .
وأُثر عن الحجاج أنه قال : أتمنى أن أقتل أربعة في الله أحدهم : كان واليًا فُتن الناس به فلما كان يخطب قال له رجل : أكثر الله من أمثالك فرد : إذن لقد كلفتم الله شططصا !!!! .
ولما تواصلت انتصارات خالد بن الوليد , راسله الصديق – رضي الله عنهما – : إياك أن تعجب بنفسك فتخسر وتخزى . وعمر يعزله وهو يعلم لماذا عزله الفاروق .
فلا بد من السيطرة على النفس وإمساكها من قرنيها وإحكام القبض عليها .
والسيدة عائشة تلبس ملابس جميلة أعجبت بها , فقال لها الصديق : ألا تعلمين أن هذا يغضب الله عز وجل ؟ .فقالت إذن أتصدق به . فدعا لها : عسى الله أن يغفر الله لك ِ.
وأبو بكر عندما اعتلى المنبر في أول خطبة له , أعلنها : وليت عليكم ولست بخيركم . رضي الله عنه وأرضاه .
وظل يخدم الناس و يحلب لهم شياههم حتى بعد أن نُصب خليفة .
وهو الذي كتب على خاتمه : ( عبد ذليل لرب جليل ) .
والفاروق يصعد المنبر خطيبًا : كنت أجيرًا وكنت .... فقال له أبو عبيدة بعد أن انصرف الناس : ماذا فعلت يا أمير المؤمنين ؟ .
قال : جاءتني الوفود تسمع وتطيع فخفت على نفسي , وأردت أن أؤدبها .
وانظر صفات الإنسان التي ذكرت في القرآن :
( إن الإنسان خلق هلوعًا ) . ( إنه كان ظلومًا جهولا ) . ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) . ( وكان الإنسان قتورًا ) .
وهناك شهوات جلية وأخرى خفية .
فالجلية مثل : الخمر والزنا وأكل مال اليتيم وغيره .
والخفية نحو : الكبر , العجب , حب العلو على الناس : عندما يظن المرء أنه أحسن من غيره .
والمرء يسأل نفسه : أي شيء أحسن عندك : طعام لذيذ أم مدح رنان ؟ .
فإذا كان الأخير فهي المصيبة .
فرب نفسَك , وأوقفْها عند حدها واستعنْ بالله , فلا قوة على الطاعة إلا به ولا توفيق إلا به , ولا يحولك عن المعصية إلا هو . فأنت تصلي بعون الله وتفعل الخير بالله . تعال انظر في هذه النصوص :
( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ) .المائدة .
والله عز وجل يخاطب نبيه – صلى الله عليه وسلم : ( ولو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ...) الإسراء .
( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) . يوسف . ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) . إبراهيم .
والعابد يخاف من ترك الطاعة , والعارف يخاف من الكفر .
أي كلما ازداد القرب من الله كلما خاف المرء أن يحرم هذا القرب حرمانًا نهائيًا بالكفر . ولولم يربط الداعي نفسه بهذه المعاني فسيكبر عند نفسه , وتتضخم عنده ( أنا ) .
بينما تستهدف التربية أن يكون عند نفسه صغيرًا .. لا يستعظم عبادته , ولا يرى عمله كبيرًا ؛ إنه كان بتوفيق الله وعونه الله .
وانظر كيف يأتي الأمر بالاستغفار بعد الحج وبعد الصلاة وبعد صلاة الليل .
بل إن الله عز وجل يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالاستغفار إذا جاء نصر الله والفتح , ودخل الناس في دين الله أفواجًا .
أما التربية الحركية التي عمادها الجسم فهي نتاج التربية المعرفية العقلية والإيمانية .
واعلم أن الإمداد على قدر الاستعداد .
عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – أرسل رجاء بن حيوة ليشتري له ثوبًا – عندما كان أميرًا على المدينة – فأتاه بثوب ثمنه خمسون دينارًا . فقال له : ألم تجد أغلى من هذا ؟ . فلما صار خليفة , اشترى له ثوبًا بخمسة دراهم فقال له : ألم تجد أرخص من هذا ؟ .
ولما انتهى من جنازة سليمان بن عبد الملك , قُرب له موكب الشرطة ليصحبه إلى دار الخلافة , فاخذ القرار من حينها , ودعا ببغلته , وسرح الشرطة .
وأرسل إلى سالم بن عبد الله بن عمر يقول : أريد أن أسير في الناس بسيرة عمر . فرد عليه : ليس معك رجال كرجال كانوا مع عمر . ولكنك إذا أردت الحق ونويته بصدق , أعانك الله عليه وأمدك برجال من حيث لا تحتسب. فإن نقصت نيتك وضعفت إرادتك نقص عون الله لك بقدر نقص النية والإرادة . فعاد عمر بن عبد العزيز بالأمة كعهد عمر بن الخطاب .
وقد ورد أن الراعي رأى الذئب مع الغنم لا يؤذيها ؛ فقال : تولى الأمة رجل ٌ صالح .
وبعد ثلاين شهرًا اعتدى الذئب على الغنم فقال : مات الإمام الصالح .
وفي الختام : نعود بأنفسنا إلى التكامل فالعلم والمعرفة لتنمية العقل , وقد بسط الحديث عن تربية النفس والتربية الإيمانية , أما التربية الحركية فتمثلها الحركة بالدعوة في المجتمع . وبأسلوب آخر لابد من الموازنة بين الدوائر الثلاث : النفس والبيت والمجتمع .
ولا يجوز أن نعظ الناس وننسى أنفسنا . يقول الله عز وجل { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة 44. فنفسك أولا ... , ثم البيت والمجتمع .
الوجب النظري :
قراءة رسالة إلى أي شيء ندعو الناس , واستخراج ما يؤيد المحاضرة منها .
قراءة كتاب مهلًا أخي الداعية أو صور مرفوضة ( للدكتور مجدي الهلالي ) .
أو كتيب ( الوعد الحق ) للمستوى الأقل .
امتحان تحريري في الرسالة والكتاب .
الواجب العملي : التفكر في احتياجاتنا التربوية , والإلحاح على الله – عز وجل – أن يعيننا على استكمال ما ينقصنا منها .
ليكون ذلك في النهاية وسيلة إلى إيجاد النموذج القرآني .
قبل التلاوة وأثناءها بفعل الآتي :
الإلحاح على الله أن يرزقنا الفهم والتأثر بالقرآن . القراءة بالترتيل . تهيئة البيئة المناسبة للتلاوة . اختيار الوقت المناسب . إعمال الفكر والقلب أثناء التلاوة . الإلمام بالمعني العام للآيات وعدم الدخول في التفاصيل الكثيرة . الوقوف على رؤوس الآيات . ترديد الآيات التي يتم التأثر بها . أن يعتبر نفسه هو المخاطب بالآيات ؛ فيطبق ما يستطيع من الأوامر وينتهي عما نهى الله عنه .
وعلى الله قصد السبيل .









ليست هناك تعليقات: