( من رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) . تابع ملف الدرس الثاني
( المقياس ) و أنا أريد في هذه الكلمة أن أكشف للناس عن دعوة الإخوان المسلمين و غايتها و مقاصدها و أساليبها و وسائلها في صراحة و وضوح و في بيان و جلاء , و أحب أولا أن أحدد المقياس الذي نقيس به هذا التوضيح , و سأجتهد في أن يكون القول سهلا ميسورا لا يتعذر فهمه على قارئ يحب أن يستفيد , و أظن أن أحدًا من الأمة الإسلامية جميعا لا يخالفني في أن يكون هذا المقياس هو كتاب الله نستقي من فيضه و نستمد من بحره و نرجع إلى حكمه .
يا قومنا : إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول العقائد و أسس المصالح الاجتماعية , و كليات الشرائع الدنيوية , فيه أوامر وفيه نواه , فهل عمل المسلمون بما في القرآن فاعتقدوا و أيقنوا بما ذكر الله من المعتقدات , و فهموا ما أوضح لهم من الغايات ؟ و هل طبقوا شرائعه الاجتماعية و الحيوية على تصرفاتهم في شؤون حياتهم ؟ إن انتهينا من بحثنا أنهم كذلك فقد وصلنا معا إلى الغاية , و إن تكشف البحث عن بعدهم عن طريق القرآن و إهمالهم لتعاليمه وأوامره فاعلم أن مهمتنا أن نعود بأنفسنا و بمن تبعنا إلى هذا السبيل .
ثم تكلم عن غاية الحياة في القرآن وانتهى إلى غاية المؤمنين : ( (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ , وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ و َتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78).
و معنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة , و يعطيهم حق الهيمنة و السيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة و إذا فذلك من شأننا لا من شأن الغرب و لمدنية الإسلام لا لمدنية المادة .
مصادر غايتنا :
تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس و أن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم , و تهب لإنفاذها في عزم و في مضاء , لم يبتدعها الإخوان ابتداعا , و لم يختلقوها من أنفسهم , و إنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم , و تبدوفي غاية الوضوح في كل حديث من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه و سلم و تظهر في كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المثل الأعلى لفهم الإسلام و إنفاذ تعاليم الإسلام .
من أين نبدأ؟
إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً.
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس:36) .
هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً:
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود :
(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن , فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت) .
أولست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و ضعف قلوبها و خلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة و صفات الرجولة الصحيحة , و إن كثر عددها و زادت خيراتها و ثمراتها .
و إن الأمة إذا رتعت في النعيم و أنست بالترف و غرقت في أعراض المادة و افتتنت بزهرة الحياة الدنيا , و نسيت احتمال الشدائد و مقارعة الخطوب و المجاهدة في سبيل الحق , فقل على عزتها و آمالها العفاء .
بين القوتين
يظن كثير من الناس أن الشرق تعوزه القوة المادية من المال و العتاد و آلات الحرب و الكفاح لينهض و يسابق الأمم التي سلبت حقه و هضمت أهله , ذلك صحيح و مهم , و لكن أهم منه و ألزم : القوة الروحية من الخلق الفاضل و النفس النبيلة و الإيمان و معرفتها و الإرادة الماضية , و التضحية في سبيل الواجب و الوفاء الذي تنبني عليه الثقة و الوحدة , و عنهما تكون القوة . لو آمن الشرق بحقه و غير من نفسه و اعتنى بقوة الروح و عني بتقويم الأخلاق , لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب و عند صحائف التاريخ الخبر اليقين .
الخميس، 14 مايو 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق