الخميس، 14 مايو 2009

التربية الإيمانية ومستهدفاتها . المحاضرة الثانية
ذكر الشيخ البنا وسائل عامة للدعوة : الإيمان العميق , والتكوين الدقيق , والعمل المتواصل .
فلماذا الإيمان العميق , أو لماذا التربية الإيمانية ؟ .
1 - إن الإيمان هو الذي يولد الطاقة وهو القوة الدافعة للعمل والجهاد .
يقول البنا في رسالة دعوتنا في طور جديد :
أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية :
أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا ، أن يتعرف الناس إلى ربهم ، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها . نحن الإخوان المسلمين نهتف من كل قلوبنا :
"الله غايتنا" فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) . وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعًا فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً ، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح .
ويقول في نفس الرسالة : تحت عنوان :
يقظة الروح ـ الإيمان والعزة والأمل
وينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ، ويهملون كثيرا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها وعليها يتوقف انتصارها ونماؤها . وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها ، إن من وراء المظاهر جميعًا في كل دعوة روحا دافعة ، وقوة باطنة تسيرها وتهيمن عليها وتدفع إليها ، ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم له في دعوتنا ، وأهم ما نعول عليه في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة الروحية المرتجلة . فنحن نريد أول ما نريد يقظة الروح ، حياة القلوب ، صحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر ، وليس يعنينا أن نتكلم عما نريد بهذه الدعوة من فروع الإصلاح في النواحي العملية المختلفة بقدر ما يعنينا أن نركز في النفوس هذه الفكرة .
نحن نريد نفوساً حية قوية فتية ، قلوباً جديدة خفاقة ، مشاعر غيورة ملتهبة متأججة ، أرواحاً طموحة متطلعة متوثبة ، تتخيل مثلاً عليا ، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ، ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ، ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ، ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلاً ولا تحتمل شكاً ولا ريباً . وبغير هذا التحديد والتركيز سيكون مثل هذا الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة فيه ، فما حدود الأهداف وما منتهاها ؟!
إننا نتحرى بدعوتنا نهج الدعوة الأولي ونحاول أن تكون هذه الدعوة الحديثة صدي حقيقياً لتلك الدعوة السابقة التي هتف بها رسول الله r في بطحاء مكة قبل ألف ومئات من السنين ، فما أولانا بالرجوع بأذهاننا وتصوراتنا إلى ذلك العصر المشرق بنور النبوة ، الزاهي بجلال الوحي ، لنقف بين يدي الأستاذ الأول وهو سيد المربين وفخر المرسلين الهادين ، لنتلقى عنه الإصلاح من جديد ، وندرس خطوات الدعوة من جديد .
أي نور من وهج الشموس الربانية أشعله النبي الكريم في قلوب صحابته فأشرقت وأضاءت بعد ظلمة و ديجور ؟ وأي ماء من فيض الحياة الروحية أفاضه عليها فاهتزت وربت ونمت فيها الأزاهير وأورقت بالوجدانيات والمشاعر وترعرعت فيها العواطف والضمائر ؟! .
ويقول البنا ( بتصرف واختصار ) : قذف الرسول في قلوب أصحابه بثلاثة أشياء :
الإيمان بعظمة الرسالة ــــــــــــ الاعتزاز باعتناقها ـــــــــــ الأمل في تأييد الله إياها .
* والرسول – صلى الله عليه – وسلم – يدعو عبد الله بن عمر ليتزود من قيام الليل : ( نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يقوم الليل ) .
* وعباد بن بشر يقوم الليل بسورة الكهف , وهو يحرس المسلمين , وينزع السهام من كتفه , ويكره أن يقطع الصلاة التي استغرق معها بكل مشاعره وكيانه . ولولا خوفه على الرسول - عليه السلام - والصحابة ما قطع الصلاة .
2 - علو المنزلة وتقريب النصر :
مما لا شك فيه أن موازين القوى ستتغير لصالح المؤمنين , وتنصرهم الملائكة , وكلما ازداد إيمانهم جاءهم المدد
والمعلوم أن الأمم الأخرى تنتصر بالتقدم المادي ونحن ننتصر بالإيمان وبقوة الصلة بالله أولا مع عدم إغفال النواحي العلمية والمادية .
وإذا سألت عن الصدر الأول , لماذا انتصروا وسادوا ؟ .
جاءك الجواب : كان فيهم أبو بكر إيمانه يعدل إيمان الأمة , وساق عبد الله بن مسعود الدقيقة أثقل في الميزان من جبل أحد , وأبو عبيدة أمين الأمة , والمبشرون العشرة بالجنة , ولم يكن على الأرض أصدق لهجة من أبي ذر , ومن أنفق كل ماله مثل أبي بكر , وعبد الرحمن بن عوف , ومن أنفق نصف ماله كعمر الفاروق , ومن جهز جيش العسرة , واشترى بئر رومة للمسلمين وهو عثمان , وصهيب الذي ترك ثروته في مكة ولحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – رضي الله عنهم جميعًا .
وقادة الجيوش مثل علي بن أبي طالب والقعقاع , والزبير وعبادة بن الصامت , وعمرو بن العاص , وعكرمة , وأسامة , وسيف الله المسلول .
وفي باب العلم زيد بن ثابت ومعاذ وعبد الله بن عباس , رضي الله عنهم .
ولما نزل قوله تعالى في سورة الأنفال ( الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)) . فلم يكن الضعف نتيجة نقص العدد , كلا , ولكنه نقص الإيمان .
والأمة اليوم في وفرة وفيرة من العدد , ولكننا في قمة الضعف . وفي الحديث : ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ٍ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . قيل : يارسول الله ! فمن قلة ٍ يومئذ ٍ ؟
قال : لا , ولكنكم غثاء كغثاء السيل . يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم , لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت ) تخريج السيوطي عن ثوبان – رضي الله عنه . وفي صحيح الجامع عند الألباني رقم 8183.
بمعنى أن الأمة لو وضعت في الميزان فلن تحركه ! .
والفاروق عمر يودع سعد بن أبي وقاص – عندما توجه لفتح بلاد فارس – بمثل بهذه الكلمات : يا سعد لا يغرنك أن قيل خال رسول الله , ليس بين الله وبين أحد ٍ نسب إلا بطاعته , وانظر ماكان يفعل رسول الله فافعل مثله وأوصيك أنت ومن معك بتقوى الله , إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده .
ويوم الخندق , بذل المسلمون جهدهم , وفعلوا ما في طاقتهم , فأتاهم النصر المبين , و هزم الله الأحزاب وحده . وكان يومًا مشهودًا في التاريخ .
وعن أثر الإيمان والعمل الصالح :
( انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ؛ قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قيلهما أهلا ولا مالا ... فانفرجت الصخرة فحرجوا يمشون ) .تخريج السيوطي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – تحقيق الألباني حديث رقم : 1504 في صحيح الجامع .
* ومحمد الفاتح تربى على العلم والصلاح , والتقوى وأسباب الفلاح ؛ ففتح الله به مئتي مدينة , على رأسها القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية , والتي سماها ( إسلام بول ) أي مدينة الإسلام .
3 – تنمية الوازع الداخلي .
أو تربية الضمير , أو إيجاد الشرطي داخل النفس , يقف لك بالمرصاد كلما أخطأت أوقفك ونبهك وأحيانًا يجلدك .
وهذا أبو بكر الصديق يقيء ما أكل لما علم أن غلامه تكهن بهذا الطعام , وقال : لو أني أعلم أنه لا يخرج إلا بخروج نفسي لأخرجته .
وقصة ماعز والغامدية خير دليل . فلو أنهم تابوا لتاب الله عليهم وسترهم , بدلا من أن يصروا على إقامة الحد عليهم ؛ ولكنه الضمير الحي اليقظان يأبى ذلك , فلا بد من عقاب شديد صارم لهذه النفس ! .
والمسلم يعد أخاه ولا يفي ولا يجد في نفسه لومًا ولا تقريعًا ؛ لأن الشرطي عنده نائم وله شخير ! .
ومثله من يستعير منك كتابًا , ويمر على وعده شهور . وآخر يؤخر سداد الدين , ولا يكلف نفسه أن يعتذر أو يطلب المهلة . ويتأخر الداعية عن موعده مع المدعوين ولا يحترم وقتهم ولا يكلف نفسه أن يقدم عذرًا .
وآخر يقول تأخرت .. كان عندي أشغال ومصالح , وواقع الأمر أنها ليست مهمة .
إن ثمرة العبادة الصحيحة والطاعة الخاشعة هي التي توجد الوازع القوي والضمير الحي داخل الإنسان
ولكن هذه الثمرة تتفاوت ؛ فقد تكون الأعمال قليلة ونتيجتها ضخمة , وقد تكون كثيرة وثمرتها ضعيفة .
ومثال ذلك : التابعون كانوا أكثر من الصحابة في العبادات والطاعات , ولكنهم كانوا يرون بعض الذنوب كأنها الذباب يقع على وجوههم . في حين كانت هي نفس الذنونب عند الصحابة يعدونها كالجبال .
فالفرق بين التابعين والصحابة كالفرق بين حجم الذبابة وحجم الجبال .
ويزور أمير المؤمنين الفاروق والي الشام معاوية , فيجده في حلل ٍ بهية وملابس وضيئة , فيسأله فيجيب : بأننا نحكم أقوامًا تعودوا على ذلك من أيام الروم . فيقول : أنت وربك !! .
وجاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يشكو إليه مملوكين , يخونانه ويكذبانه , ولكنه يضربهما . فيخبره بالموازين القسط يوم القيامة . فيتنحى الرجل يفكر ثم يبكي , ولبث وقتا ثم قال : يارسول الله ما أجد مع هذين إلا مفارقتهما , فهما من الأحرار .
* وقصة أبي لبابة , الصحابي الجليل رضي الله عنه , وقصة الثلاثة الذين خلفوا .
هذا الإيمان الحي , والضمير القوي نتيجة طبيعية للمطيعين المستجيبين لله ورسوله .
4 – والتربية الإيمانية ضرورية لمضاعفة الإنتاج الدعوي :
إن الإيمان والطاعة يجعلان المرء مقبولا عند الله , وإذا أحبه الله يحبه جبريل ويحبه أهل السماء , ويوضع له القبول في الأرض .
وإذا كنت مقبولا بين الناس , بين المدعوين ؛ فقد اختصرت مسافات كبيرة , ونحيت مصاعب كثيرة , وصارت دعوتك تسير على قدم وساق .
وهذا سبيل الذين يسارعون في الخيرات , بل هم السابقون فيها :
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون .
وهم لا يتقاعسون عن الجهاد ولا يتعللون بأسباب ليتخلفوا :
( لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) التوبة .
ويوم مؤتة يقابل الأبناء آباءهم بالحجارة , وينادونهم يا فرار . وخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – وعالج الموقف قائلا : ليسوا فرارا , بل كرار .
والحقيقة أنهم انحازوا إلى فئة .
ولكن الشاهد هنا هؤلاء الأبناء الذين غاب عنهم آباؤهم هذه المدة كيف قابلوهم بعدها !
والسبب أنهم لم ينتصروا- من وجهة نظرهم - ولم يتبعوا أعداءهم ويقضوا عليهم .
وكان سلمة بن الحجاج لا يصلي في المسجد حياء من الناس بعد يوم مؤتة .
مع أن الأمر من الناحية الفقهية سليم تمامًا . بل أن خالد بن الوليد شُرف بلقب سيف الله المسلول في هذه المعركة , عندما استل الجيش وعاد به إلى المدينة .
* وقصة الإمام البنا مشهورة : عندما يخرج من القاهرة عصر الخميس , ويطوف بالمنيا ومنفلوط وأسيوط وسوهاج , محاضرًا , ثم يعود يوم السبت صباحًَا إلى عمله بالقاهرة .
5 – وضوح الغاية والهدف بطريقة مستمرة :
فكل همك أن يراك الله حيث أمرك , ويفتقدك حيث نهاك .
وعندما أرسل سعد ربعي بن عامر إلى رستم سأله : لماذا جئتم إلينا ؟ قال : إن الله ابتثعنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .
إن دعوتنا هي دعوة الإنقاذ والبعث وهذا فهمنا لدعوتنا ويجب أن يتجذر في نفوسنا .
ولذلك أعلنها خبيب بن عدي عندما كانوا يعدونه للقتل في مكة :
ولا أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب ٍ كان في الله مصرعي
وأنس بن النضر يقابل سعد بن معاذ يوم أحد وكأنه الأسد الهصور : يا سعد : الجنة من خلف أحد . فيقول سعد : فما استطعت ما فعل . أي لم أستطع أن أصف ما فعل .
* ولما قابل أنس بن النضر الصحابة وهم يسرعون نحو المدينة – يوم أحد عندما أشيع أن رسول الله قتل – قال عودوا فموتوا على ما مات عليه !! .
إنه يعرف هدفه , إنها الجنة مقصده ومبتغاه , والإيمان يخدمه , ويسوقه إلى حيث يريد .
والمخلص منا من يهمه حضور اللقاء , قائلا : قد يغفر الله لي به . وإن تغيبت قد أكون منافقًا .
إن هدفي هو إقامة الخلافة الإسلامية , وأستاذية العالم , والغاية من ذلك : إرضاء الله , فلا أدخر وسعَا , ولا أضن بطاقة , أستطيع أن أقدمها في سبيل الله .
6 – تقليل المشاكل أو حلها وتقليل التعلق بالدنيا :
كلما قل الإيمان ارتفع سقف الطموح في الدنيا ومن ثم يبدأ الترخص , من باب ( سيغفر لنا ) .
فهذا يصلي في البيت , ويقل سعيه إلى المسجد . وذاك يضيع وقته بغير فائدة , وذاك يثرثر فيما يضر
وينفع , يخلط من هذا على ذاك .
والذي يقصر في صلاة الفجر , فنوقظه بالتليفون , أو يوقظه زميله , ليس هذا هو الحل القاطع .
إنما الحل أن يحركه قلبه وضميره , والثواب والعقاب .
وقد حدثوا أن بعض الإخوة أعلنوا جائزة ( رحلة عمرة ) لمن يصلى الفجر جماعة أربعين يومًا متصلة .
والذي تم أن الكثير منهم قصر في صلاة الفجر في اليوم الثاني والأربعين وما بعده , ولم يحدث التغيير المطلوب . فليست الجائزة , ولا الإيقاظ بالتليفون هو الحل النهائي .
وعمر يستقيل من القضاء بعد عام . ويقول له الصديق : أمن مشقة القضاء تريد أن تستقيل ؟ .
قال : لا حاجة لي في القضاء بين هؤلاء المؤمنين .
إنهم يتزاورون , ويتكافلون , ويتسامحون , ويعفو بعضهم عن بعض . إذن لا مشاكل , ولا حاجة للقاضي .
وقالوا : إذا أنصف الناس استراح القاضي .
حتى لو حدثت مشاكل , فإنها سرعان ما تنتهي .
ويوم أن تنازعوا في الأنفال , نزل القرآن يعالج الأمر على الفور .
( قل الأنفال لله والرسول ) . فصادر القرآن الأنفال .
وبدأ العتاب , وذكرهم بأنهم خرجوا بدون رغبة . وأن النصر كان من عند الله , وجاء في السورة الكريمة , وإذ .. وإذ .. اثنتي عشرة مرة تقريبًا . حتى إذا علموا أن النصر لم يكن من عندهم , وأن الغلبة كانت من الله , واستقر ذلك في الصدور ؛ نزل قول الله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ....)
والمشاكل أنواع منها :
مشاكل سلوكية , جبلية , نفسية .
فالأولى مثالها : كثرة مشاهدة التلفاز وبرامجه ومنها مايكون غير مقبول شرعًا , ومنها مايكون مكروهًا . والتساهل , والغفلة , وخلف الوعد , ونحو ذلك . والإيمان جدير بأن يقضي على مثل هذه المشاكل . وتلك تمثل معظم مشاكلنا .
والجبلية : جبل عليها ونشأ فيها , واعتاد عليها , وصارت خلقًا له .
فمن ينشأ في أسرة بخيلة , تحرص على القرش فإنهم يربونه هكذا : يابني هذا مصروفك , ولو أبقيته لكان خيرًا لك , فالقرش الأبيض ينفع في اليوم ...
ولو أنك مشيت هذه المسافة ولم تركب ووفرت الأجرة ..., احرص على ملابس هذا العام لتنفعك العام القادم .. وهكذا معظم تصرفاتهم . فكيف ينشأ غلامهم هذا ؟ .
وحدثوا أن أخًا ملتزمًا يثقل عليه إخراج الزكاة , فقال لإخوانه إذا حان وقت إخراجها , فكتفوني وخذوها مني . فلما فعلوا به ذلك استغاث بهم من شدة القيد وصاح : دعوني دعوني فلم يأبهوا له . وبعد أن أخذوا منه المال , قال لهم وهم يخرجون : جزاكم الله خيرًا !! .
النفسية : مثالها الكبر , وتسفيه آراء الآخرين , ويفخر على العباد بما أنعم الله عليه , يقدس ذاته , ويعيد نفسه . لا شك أنه يحتاج من يوقظه , ويهزه هزًا حتى ينيب إلى رشده , ويؤوب إلى مولاه .
وعكرمة بن أبي جهل , يهرب يوم فتح مكة , لم يتحمل هذه الصاعقة التي حلت بهم لأن الذين كانوا يستضعفون في الأرض عادوا لتدين لهم مكة , ورجال مكة !! ولكن الله أرد به خيرًا , وصار جنديًا عظيمًا من جنود الله .
وهذا الصنف لو كان بيننا - وهو قليل - فقد يكون علاجه أن يقع في ذنب ٍ ويستيقظ ضميره , وتهزه مشاعره , ويعلم حينها أن ما أنعم الله به عليه و أن نجاحه الذي أبرزه , وتفوقه الذي أظهره ؛ لم يكن من عنده وإنما كان بعون الله وسنده ؛ فيعود نادما آسفا تائبا شاكرا لله على عودته .
وحدثوا أن رجلا ناجحًا متفوقًا غنيا وسيما تقدم لفتاة , فرأت فيه فارس أحلامها .
فلما انتقلت إليه وجدته معجبا برأيه , لا يقبل نقدا , ولا يطيق نصحًا , كل أمر يُبرمه لا يقبل النقاش , ويلزم التنفيذ فورا . فلا أحد يراجعه في مشكلة وقعت , ولا يعاتبه في غلطة حدثت !! .
وفي النهاية لم تجد بدًا من الطلاق لتعتق نفسها من هذه العبودية .
فكيف يصلح مثل هذا في صفوف الدعاة ؟ .
* وسيدنا أبو ذر , يزوره الناس فيقولون له : أين متاعك ؟ أين أثاث بيتك ؟ فيقول : إن لنا دارًًا أخرى نجهزها .
* ورأوا عبد الرحمن بن عوف في المنام , وهو في نعيم لا يوصف , فرأى الرائي في الأفق منازل عالية تأخذ القلوب , وتبهر العيون , قال لمن هذه ؟ قال : لأبي الدرداء ؛ لأنه كان يدفع الدنيا بصدره وراحتيه .
7 – اتخاذ القرارت الصعبة .
- في أشد المواقف يظهر الرجال أصحاب الإيمان الراسخ , كأنهم الجبال أمام العواصف . فهذا أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – يقول قولته المدوية , وستظل مدوية , عندما ارتد الناس ومنعوا الزكاة : أينقص الإسلام وأنا حي ٌ ؟ . ولم يستطع أن يثنيه أحد من الصحابة , حتى الفاروق .
وعقد اللواء لأحد عشر جيشًا , وكان هو على رأس جيش ٍ منهم في المدينة عندما تصدى لسجاح التي ادعت النبوة .
وأرسل جيش أسامة إلى الروم في نفس الوقت , رغم اعتراض وتحفظ بعض الصحابة .
حيث قالوا كيف نحارب المرتدين والروم في آن ٍ واحد ؟ .
وأصر على أن يكون أسامة قائدًا للجيش رغم حداثة سنه قائلا للفاروق : أيعينه رسول الله , ويعزله ابن أبي قحافة ؟ !.
وهو الذي قضي على الاضطراب الذي أصاب المسلمين عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم - عندما صعد المنبر وقال : أيها الناس : من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت . وقرأ قول الله عز وجل في سورة آل عمران : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144).
* ويعطي الراية لخالد بن سعيدبن العاص , فيراجعه عمر قائلا : إنه لم يبايعك . ويظل به الفاروق حتى أقنعه بنزعها منه , فذهب إليه الصديق وطلب منه الراية فقال خالد : والله ما فرحنا بها ولا حزنا على فقدها , ولكن لست أنت الملوم !! .
* - والفاروق عمر يعزل سيف الله المسلول ؛ مخافة الفتنة عليه وعلى المسلمين .
ويرسل إلى عمروبن العاص وابنه ليقتص للمصري وهو شاهد أمامه .
وأبو موسى الأشعري يقسم العطايا في العراق , فقال له رجل : ما عدلت . فأمر أبو موسى بحلق شعره أمام الناس . فذهب الرجل بشعره إلى الفاروق في المدينة , ونثره بين يديه . فأمر الفاروق أبا موسى أن يستدعي الحلاق ليحلق له أمام الناس كما فعل بالرجل . فاستعبر أبو موسى ندمًا على ما فعل , ودعا الحلاق أما الناس فعفا الرجل بعد أن تيقن من حقه .
وبينما كان الفاروق يخطب إذا به يتوقف , ويقول : أيها الناس إن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة . إني أخرجت ريحًا.. وذهب فتوضأ ثم عاد .
8 – لإقناع الآخرين والتأثير فيهم .
* وخير مثال على ذلك : مصعب بن عمير في المدينة , وقد أسلمت على يديه . وأبو ذر يأتي إلى المدينة ومعه غفار وأسلم . والطفيل يأتي ومعه قبيلة دوس .
فالداعية إذا كان متوهجًا ممتلئا بالإيمان فإنه يفيض على مَن حوله , وينشر هديه فيهم .
فالقدوة إمامة بلا إمارة ؛ فقد قالوا عن الحسن البصري : هو أغنى الناس , احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم
ويدور في النفس سؤال : أين الرجال الذين أنتجتهم تربيتنا ؟ بل أين الأفذاذ الذين يقودون هذه الأمة للتغيير ؟ .
لاننتظر أن يكون عددهم على أصابع اليد , ولكن نريد على رأس كل مئة رجلا بهمة الرجال , وإذا كانت هذه الكثرة لا تنتج هذا النوع على قلته ؛ فلنعد إذن لتربية أنفسنا من جديد . إن الحمل كبير وإن العبء ثقيل , وليس ثمة وقت نضيعه ؛ فالعدو يطلبنا , والله كلفنا , والبيعة في أعناقنا , والأمة ممزقة ! .
9 - لحسن مواجهة المحن والعقبات .
فالمؤمن يتعامل مع أحداث الحياة في السراء والضراء بصورة صحيحة : إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له .
* والرسول – صلى الله عليه وسلم – يعيش في مكة ثلاث عشرة سنة , أوذي هو وأصحابه , وحوصروا في شعب أبي طالب , ولقي ما لقي من أهل الطائف , وأصحابه هاجروا إلى الحبشة .
ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – واجه هذه الأحداث بثبات , واستثمر كل الأحداث لثبيت المؤمنين , والقرآن الكريم ينزل ينقل المؤمنين خطوة بخطوة .
ويوم حمراء الأسد جاء خبر تجمع قريش للهجوم على المسلمين , فزادهم إيمانًا (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( 173فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران .
10 – المتعة واللذة الحقيقية والرضا .
لذة الإيمان تدوم لأن ثوابها باق ٍ , ولها ثواب عاجل , وهو الشعور بالقرب من الله , والحياة في كنفه ورضاه . وفي الحديث الشريف : عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) .
حيث شبه – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بالعسل ونحوه بجامع الاستلذاذ وميل القلب .
وفي رسالة المؤتمر الخامس من كتاب الرسائل للإمام البنا :
إن السعادة التي ينشدها الناس جميعًا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم , ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدًا , وإن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه أنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك , وإن القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى ويوضحه , ذلك قول الله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم ) ( الرعد : 11 ) .
وما رأيت كلامًا أعمق في فلسفة الاجتماع من قول ذلك :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
* إن مما روي أن نبي الله موسى عليه السلام مر على مملوك يعمل عند سيده في عمل شاق فسأله : كيف حالك ؟ قال : الحمد لله كله يزول . ثم يمر عليه فيما بعد فيجده يجر الساقية لإخراج الماء فيسأله نفس السؤال , فقال : كله يزول . فتعجب نبي الله موسى عليه السلام . ثم مر عليه بعد ذلك فوجده في القصر وقد مات السيد وصار هو السيد , فقال له : كيف حالك ؟ فأجاب نفس الإجابة : كله يزول . ثم رآه في المنام بعد موته , فسأله النبي , فقال أنا في نعيم لا يزول !! .
وحدث أن ابتلي أخ مؤمن في بدنه , وساح في الأرض هنا وهناك لطلب العلاج والاستشفاء .
فلما أعياه أمره , لجأ إلى الله , فوجد راحة كان يفقدها وأنسًا كان منه محرومًا .
فتمثل بقول القائل : يارب : ماذا فقد من وجدك , وماذا وجد من فقدك ؟ !! .
فنجاه الله من بلائه . فما أحب اللجوء إلى الله وما ألذ الركون إليه. وكل سند يحول ويزول إلا سند الله , والله خير وأبقى .
الواجب النظري : إيجاد عشرة أمثلة للنقاط العشرة السابقة .
قراءة رسالة دعوتنا في طور جديــــــــــد .
الو اجب العملي : استمرار الواجب السابق , وهو الإلحاح على الله بالدعاء لتكون نموذجًا قرآنيًا عمليًا .
ملاحظة : كتاب حياة الصحابة به عشرات الأمثلة حول هذا الدرس.
وعلى الله قصد السبيل






ليست هناك تعليقات: