الخميس، 10 مايو 2012

الطريق إلى النهضة رسالة الأسبوع د/محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين

الطريق إلى النهضة رسالة الأسبوع د/محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد..
تعيش مصر الآن فترةً قلقةً مليئةً بالترقُّب والانتظار على مفترق طرق، تحتاج إلى إخلاص النيات وتضافر الجهود؛ من أجل انتشالها من قلب المشكلات والأزمات التي تأخذ بخناقها.
إننا نذكر أن مصر تعرَّضت طيلة العقود الماضية لظلم فادح.. مصر الوطن ومصر الشعب، فلقد صودرت الحريات، وانتُهكت حقوق الإنسان في ظل قانون الطوارئ المستمر عشرات السنين، وزوّرت الانتخابات، واغتُصبت إرادة الأمة، وتولَّى مناصب الدولة عصابة لا ضميرَ لها، وتمَّ التدخل في شئون القضاء، وتحكَّم إرهاب مباحث أمن الدولة في كل المرافق والمؤسسات والجامعات، ونُهبت الأموال وهُرِّبت إلى الخارج، وتمَّ توزيع الأراضي على الأذناب والأشياع، وبِيع القطاع العام بأبخس الأسعار لأتباع النظام والحزب الحاكم، فانتشر الفقر والبطالة، وتدهور التعليم والرعاية الصحية، فانتشرت الأمراض العضوية والنفسية في غالبية أبناء الشعب المصري، حتى حصلنا على المركز الأول في العالم في أمراض الكبد، وسعى الشباب إلى الهجرة، ولو كانت في سفن متهالكة تقودهم إلى الهلاك في أعماق البحر، وهاجر آلاف منهم- للأسف الشديد- إلى الكيان الصهيوني، يبذلون جهدهم في بنائه ودعمه، ويتزوجون منه لينجبوا أولادًا سيكونون لنا أعداءً بطبيعة الحال، وخضعت السياسة الخارجية لسياسة أمريكا والكيان الصهيوني، حتى اعتُبر الرئيس المخلوع كنزًا إستراتيجيًّا لهذا الكيان، وضعفت أو أهملت العلاقات المصرية العربية والمصرية الإسلامية، خصوصًا دول حوض النيل؛ ما هدَّد حصتنا في مياهه، وهو تفريطٌ في أهم مقومات الحياة، واعتمدنا على الاقتراض فتضاعفت الديون وكبَّلنا الأجيال القادمة بقيود الديون، وأهملنا الزراعة والصناعة والإنتاج.
هذه الأمور كلها دفعت الشعب دفعًا إلى القيام بثورته المباركة في 25 يناير 2011م، التي نجحت بفضل الله في الإطاحة برأس النظام وأركانه المقربين، وائتمن الشعب المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إدارة البلاد في الفترة الانتقالية، وكان المفروض أن تكون قصيرة إلا أنها- للأسف الشديد- طالت بأكثر مما ينبغي، فتعطلت كل عمليات تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين، وتعثرت المسيرة الديمقراطية، وتوقفت عمليات التنمية، وانصرف المستثمرون، وتآكل رصيد العملة الصعبة، والأخطر من هذا كله أن الخلافات الفئوية والأيديولوجية والمصالح الشخصية والصراعات السياسية أطلَّت برءوسها من جديد، وتكرَّرت مليونيات وسالت دماء وأُزهقت أرواح، وفي ظل هذه الظروف القلقة والأحوال السيئة لا تزال ثقتنا في الله سبحانه بلا حدود، ثم ثقتنا في شعبنا العظيم كبيرة، وسنظل نبذل قصارى جهدنا لاستكمال المسيرة الديمقراطية وعملية التطهير؛ وصولاً إلى طريق النهضة بإذن الله.
لذلك فإننا نتوجه إلى كل إخواننا من القوى الوطنية والأحزاب السياسية والتجمعات الشبابية والثورية إلى:
- إحياء روح الثورة التي سادت البلاد إبَّان قيامها في أيامها الأولى.
- تقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية والفئوية والحزبية.
- احترام الإرادة الشعبية والقواعد الديمقراطية، أيًّا كانت نتيجتها.
- الالتزام بسلمية الثورة على طريق تحقيق أهدافها، مهما كان الثمن والتبعات، ومهما قابلنا من المصاعب والمشقات.
- التمسك بخريطة الطريق لإنشاء المؤسسات الدستورية، والإصرار على نقل السلطة إليها نقلاً سلميًّا في المواعيد المحددة.
- الحرص على نزاهة الانتخابات وعدم السماح بتزويرها.
- الإصرار على أن يأتي الدستور معبرًا عن الإرادة الشعبية، وملبيًا للآمال والطموحات التي تتطلَّع إليها الجماهير.
هذه كلها ضرورات لأساس قيام النظام الصالح الرشيد في كل إدارات الوطن ومؤسساته.
كما يجب تطهير القوانين من التشريعات التي تقنِّن الظلم وتحمي الفساد، التي شرعها النظام البائد، وتكرِّس الحريات، وتُحمى بالقوانين والتشريعات، ولتطبق على أرض الواقع؛ حيث إن الشعب المصري دفع في هذه الحرية ثمنًا غاليًا على مدار عشرات السنين، ولذلك لن يسمح لأحد أن يسلبها منه بعد أن ذاق حلاوتها.
ولتحقيق النهضة لا بد أن تطلق الحرية للدعاة والمصلحين، وتفتح لهم أبواب الإعلام؛ لتعليم الناس أمور دينهم بعباداته المربية والمهذبة، وأخلاقه الفاضلة، ومعاملاته الكريمة، وقيمه السامية التي لا مصدر لها إلا رسالات السماء، والتي من شأنها أن توقظ الضمائر وتدفع للتجرد والإخلاص، وتحضر الهمم للعمل والإتقان، فإن بناء الإنسان الصالح من أهم مقومات النهضة، والعنصر المعنوي لا يقل أهمية عن العنصر المادي.
وتأتي بعد ذلك قضية احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان التي تحفظ للإنسان كرامته وعزته، وإقامة العدل الذي هو أساس الملك.
ثم العمل على إصلاح التعليم والبحث العلمي، واعتماد المنهج العلمي في التخطيط لنهضة الزراعة والصناعة والحفاظ على البيئة، وتطوير مصادر الطاقة، وتشجيع الاستثمار، وتوفير المناخ الجيد لتنميته، والعمل على توفير عمل مناسب لكل عاطل، وأجر عادل لكل عامل، وكفالة اجتماعية لكل عاجز، وسكن لكل محتاج، لا سيما الشباب المقبل على الزواج، وعلاج جيد لكل مريض؛ بحيث نحقق في المرحلة الأولى حدَّ الكفاية لكل فرد وأسرة، ومستوى كريمًا للحياة للجميع، إضافةً إلى الحرص على النظافة والطرق الممهَّدة، ووسائل المواصلات المريحة لانتقال الناس، ولا نجد غضاضةً في الاستفادة من تجارب وخبرات غيرنا من الدول التي سبقتنا في مضمار النهضة؛ "فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، وهذا ما قمنا به أثناء إعدادنا مشروع النهضة، فإن الأخذ بكل معطيات العلم ووسائل التقنية في كل المجالات نراها واجبًا شرعيًّا ووطنيًّا وإنسانيًّا.
إضافةً إلى التعاون مع إخواننا في العالم العربي؛ لأن مساعدة مصر في نهضتها بُعد إستراتيجي لقوة الأمة العربية التي ما ضعفت إلا بضعف مصر، وما قويت إلا بقوة مصر، وما انتصرت إلا بانتصار مصر، فهي شقيقتهم الكبرى، والسعي لإقامة السوق العربية المشتركة، وكذلك توطيد العلاقات مع كل دول إفريقيا، خصوصًا دول حوض نهر النيل، وأيضًا الدول الإسلامية ودول العالم الثالث، ولا نغفل العلاقات الحسنة المتوازنة مع الدول الكبرى في ظل الاحترام المتبادل، واحترام المواثيق والعهود الدولية، وهذا هو التطبيق الحقيقي لأصول الشريعة وقواعدها والتعاون في مختلف المجالات.
وفقنا الله لخدمة شعبنا ووطننا وأمتنا.. (وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105).



والله أكبر ولله الحمد.

القاهرة في: 19 من جمادى الآخرة 1433هـ الموافق 10 من مايو 2012م.

السبت، 5 مايو 2012

ماذا نقصد بمشروع النهضة ؟


الإنسان أساس النهضة : نرتقي به أخلاقيا وسلوكيا , علميا وثقافيا ، نرتقي به ماديا ومعيشيا ، ليعيش كريما عزيزا كما أراد الله عز وجل ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) .
مصادر نهضتنا :
النهضة تقوم على أساس شريعة الله الصافية ، وعلى أساس الوحي المنير المتمثل في قيم القرآن الكريم وسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم .
موقفنا من العلوم وأسباب التقدم عند الأمم :
نستفيد من علوم الآخرين ونوظفها لخدمة الإنسان العربي المسلم بل لخدمة الإنسانية جميعا . ونرفض أن يكون الإنسان مجرد ترس في عجلة التقدم ، بل يكون الإنسان هو السيد الذي تدور عجلة التقدم من أجل راحته وإسعاده .
النهضة في مفهومنا : لها جناحان جناح روحي رباني ، وجناح مادي .
فنحن مكلفون بعمارة الأرض والكون ، نعمرها روحيا بالطاعة والعبادة والتوحيد ، ونعمرها ماديا  بالصناعة والزراعة والهندسة والتكنولوجيا .
نهضتنا أخلاقية :
فلا تقر نهضتنا مبدأ الاعتداء على الآخرين ، كما لا تقبل الانحناء لأحد ؛ لأن هذا يتنافى مع شريعتنا وديننا .
نهضتنا لا تقر الكذب والخداع في السياسة ، بل تقوم على الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والمواثيق .
لأننا حملة رسالة ، رسالة الإسلام للعالمين ، ومطالبون بدعوة العالم أجمع للخروج من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده ، والخروج من دائرة عبادة اللذات والشهوات ، إلى طهر الفضائل والمكرمات .
نهضتنا متوازنة : تحل الطيبات وتحرم الخبائث على الأفراد والجماعات . نهضتنا لا تحارب الغريزة ولكن تنظمها وتهذبها . لأنها شريعة رب العالمين ، وسنة نبيه الأمين .
والحمد لله رب العالمين .




الجمعة، 4 مايو 2012

لا تنسوا القرآن / المستشار حسن الهضيبي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، ورضي الله عن الإمام الشهيد وأرضاه في الجنة.
كلما قرأت القرآن وتدبرت آياته تذكرت الآية الكريمة التي كانت إيذانًا بانتهاء الرسالة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، تذكرت هذه الآية لأنها خبر من الله تعالى بأنه أتم علينا النعمة بالإسلام، وذكرني بها أني أجدني مغمورًا بهذه النعمة في كل آية.
ووجدت أنه ما من خير إلا أمر الله به، وما من شر إلا نهى الله عنه، وجعل ضمائر العباد قوامة في ذلك على أنفسهم..
وقد صاغ القرآن هذه المعاني العالية صوغًا إلهيًا لا يمكن أن يفلت منه ضمير إنسان وجعل الله آياته ركائز الحياة الصادقة في أرضه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ووضع من الأنظمة والتوجيهات ما لا يزال غضًا طريًا كأنه نزل الآن (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، وضمن للمسلمين الخير كله إن هم أجابوا داعي الله (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).
ولكن المسلمين أدركتهم غمرة من دنياهم فنسوا ما ذكروا به، وقطعتهم الأهواء عن مشرق النور، فاستبدلوا بالكتاب المنزل ما لم ينزل به الله سلطانًا..، فكان ما نرى من هوانهم في كل قضية والمصائب النازلة بهم في كل مكان..
وهم في ذلك يلقون جزاءً حتمًا سبق به نذير الله، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)، ولكن الأمل في الله كبير، وأنتم أيها الإخوان المسلمون أقباس هذا الأمل، فأنتم أولى الناس بتدبر القرآن والتخلق بأخلاقه، وأنتم المسئولون أن تجعلوا معانيه العالمية مثلا حية تمشي على الأرض وصورًا كريمة يراها الناس في أخلاقكم قبل كلامكم واذكروا في ذلك كلمة أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن الداعية الأول صلى الله عليه وسلم "كان خلقه القرآن"
والله الموفق والمستعان، والله أكبر ولله الحمد

الجمعة، 20 أبريل 2012

ما يملك المسلمون أن يقدموه للعالم

وهذه هي الهدية الربانية التي يهديها للناس في الأرض بعقيدة التوحيد ...وهذه هي النعمة الإلهية التي يمن بها على عباده وهو يقول لهم : “ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً “...
وهذه هي الهدية التي يملك أصحاب عقيدة التوحيد أن يهدوها – بدورهم للبشرية كلها . وهذه هي النعمة التي يملكون أن يفيضوا منها على الناس ، بعد أن يفيضوها على أنفسهم ، ويرضوا منها ما رضيه الله لهم .
وهذا هو الجديد الذي يملك لأصحاب عقيدة التوحيد أن يتقدموا به للبشرية اليوم ، كما تقدم به أسلافهم بالأمس فتلقته البشرية يومها كما تتلقى الجديد . ولم تستطع أن تقاوم جاذبيته لأنه يمنحها ما لا تملك ، فهو شيء آخر غير كل ما لديها من تصورات وعقائد ، وأفكار وفلسفات ، وأنظمة وأوضاع .. بكل تأكيد .. لقد قال ربعي بن عامر رسول جيش المسلمين إلى رستم قائد الفرس ، وهو يسأله ما الذي جاء بكم ؟ كلمات قلائل تصور طبيعة هذه العقيدة ، وطبيعة الحركة الإسلامية التي انبثقت منها ، كما تصور طبيعة تصور أهلها لها ، وإدراكهم لحقيقة دورهم بها ..
قال له : "الله ابتعثنا ، لنخرج من شاء ، من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام "
وفي هذه الكلمات القلائل تتركز قاعدة هذه العقيدة ، وتتجلى طبيعة الحركة الإسلامية التي انبثقت منها ، وانطلقت بها

إنها إخراج من شاء الله من عبادة العباد الله وحده .. ورد أمرهم إلى الله وحده- في الحياة والممات ، في الدنيا والآخرة . وإفراد الله سبحانه بالألوهية وبخصائص الألوهية – والسلطان والحاكمية والتشريع .

وأصحاب عقيدة التوحيد – حين يفيئون إلى منهج الله الذى من به عليهم وينادون به – يملكون أن يقدموا للبشرية منهجا يفوق أعظم المناهج والمذاهب والأنظمة والأوضاع في الأرض كلها بلا استثناء . ومن ثم يكون لهم اليوم وغدا" دور عالمي إنساني كبير . ودور قيادي أصيل في التيارات العالمية الإنسانية . دور يمنحهم سببا" وجيها" للوجود العالمي الإنساني ، وللقيادة العالمية الإنسانية .
إنهم لا يملكون أن يقدموا للبشرية اليوم أمجادا" علمية ، ولا فتوحات حضارية ، يبلغ من ضخامتها أن تفوق تفوقا" ساحقا" على كل ما لدى البشرية منها .. ولكنهم يملكون أن يقدموا لنا شيئا" آخر . شيئا" أعظم من كل الأمجاد العلمية ، والفتوحات الحضارية , إنهم يقدمون تحرير الإنسان بل ميلاد الإنسان .
وهم حين يقدمون للبشرية هذه الهدية يقدمون معها منهجا" كاملا" للحياة منهجا" يقوم على تكريم الإنسان ، وعلى إطلاق يده وعقله وضميره وروحه من كل عبودية ، إطلاقه بكل طاقاته لينهض بالخلافة وهو حر كريم ، يملك إذن أن يقدم الأمجاد العلمية ، والفتوحات الحضارية ، وهو في أوج حريته ، وفى أوج كرامته ، وحينئذ لا يكون عبدا" للإله ، وللبشر معًا

بل يكون عبدا لله وحده .

دكتور / محمد عمارة