الأحد، 24 مايو 2009

تدبر معي سورة طه

تابع الدرس الرابع
· لماذا لم يرد في سورة ( طه ) في هذا المقطع{ ولى مدبرا ولم يعقب } والجواب : لأن السياق هنا يعبر هنا عن الأمن والطمأنينة .· لماذا خص الصلاة من دون سائر العبادات ؟ : { وأقم الصلاة لذكري } ؟ .لأن الصلاة أكمل صورة من صور العبادة ، وأكمل وسيلة من وسائل الذكر ، لأنها تتمحض لهذه الغاية ، وتتجرد من كل الملابسات الأخرى؛ وتتهيأ فيها النفس لهذا الغرض وحده ، وتتجمع للاتصال بالله .· ( فلما أتاها نودي : يا موسى إني أنا ربك . فاخلع نعليك . إنك بالواد المقدس طوى . وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى . إنني أنا الله لا إله إلا أنا ، فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) .ما مدلول الآيات ؟ .الجواب : إن القلب ليخشع ، وإن الكيان ليرتجف . وهو يتصور مجرد تصور ذلك المشهد . . موسى فريد في تلك الفلاة . والليل دامس ، والظلام شامل ، والصمت مخيم . وهو ذاهب يلتمس النار التي آنسها من جانب الطور . ثم إذا الوجود كله من حوله يتجاوب بذلك النداء : { إني أنا ربك فاخلع نعليك . إنك بالوادِ المقدس طوى وأنا اخترتك . . } .إن تلك الذرة الصغيرة الضعيفة المحدودة تواجه الجلال الذي لا تدركه الأبصار . الجلال الذي تتضاءل في ظله الأرض والسماوات . ويتلقى . يتلقى ذلك النداء العلوي بالكيان البشري . . فكيف؟ كيف لولا لطف الله؟ .إنها لحظة ترتفع فيها البشرية كلها وتكبر ممثلة في موسى عليه السلام فبحسب الكيان البشري أن يطيق التلقي من ذلك الفيض لحظة . وبحسب البشرية أن يكون فيها الاستعداد لمثل هذا الاتصال على نحو من الأنحاء . . كيف؟ لا ندري كيف! فالعقل البشري ليس هنا ليدرك ويحكم ، إنما قصاراه أن يقف مبهوتاً يشهد ويؤمن! .· وما مدلول بناء الفعل للمجهول في قوله سبحانه : ( نودي ياموسى ) .نودي بهذا البناء للمجهول؟ فما يمكن تحديد مصدر النداء ولا اتجاهه . ولا تعيين صورته ولا كيفيته . ولا كيف سمعه موسى أو تلقاه . . نودي بطريقة ما فتلقى بطريقة ما . فذلك من أمر الله الذي نؤمن بوقوعه ، ولا نسأل عن كيفيته ، لأن كيفيته وراء مدارك البشر وتصورات الإنسان .· ألهم الله – تعالى – موسى عليه السلام أن المقصود وظيفة العصا لا ماهيتها , فذكر كل ما يعرف من وظائفها ؛ ليعلمه الله تعالى – عن وظيفة لم تخطر له على بال : أن تكون حية تسعى ! أن تكون آية من آيات الله يؤيده الله بها .· لماذا سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل كل هذه الأسئلة ؟ .والجواب أنه كان في جو أشعره فيه ربه تعالى بالأنس والتكريم والحفاوة .فما له لا يسأل الله كل ما من شأنه أن يعينه على مهمته الشاقة .· ( كي نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا إنك كنت بنا بصيرًا ) .كل أولئك لا ليواجه المهمة مباشرة ؛ ولكن ليتخذ ذلك كله مساعداً له ولأخيه على التسبيح الكثير والذكر الكثير والتلقي الكثير من السميع البصير . . وهو تفسير لقوله تعالى – في أول السورة : ( فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) ثم إن الأمر بالدعوة جاء لاحقًا ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) .
إنك كنت بنا بصيرا : تعلم حالنا وتتطلع على ضعفنا وتعلم حاجتنا إلى العون والنصر .ثم إن المقام هنا مقام حمد على نعمة الاختيار والاصطفاء والرسالة فكان من المناسب أن يقول : كي نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا ) .لقد أطال موسى سؤله ، وبسط حاجته ، وكشف عن ضعفه ، وطلب العون والتيسير والاتصال الكثير . وربه يسمع له ، وموسى ضعيف في حضرته ، ناداه وناجاه . فها هو ذا الكريم المنان لا يُخجل ضيفه ، ولا يرد سائله ، ولا يبطئ عليه بالإجابة الكاملة .· وما مدلول قوله سبحانه : ( ولقد مننا عليك مرة أخرى ) ؟ .أي أن المنة قديمة ممتدة مطردة ، سائرة في طريقها معك منذ زمان . فهل تنقطع بعد التكليف ؟· أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ) ما علاقة الآيات الكريمة بقوله تعالى بعدها : ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) 0والجواب : حركات كلها عنف وكلها خشونة . . قذف في التابوت بالطفل . وقذف في اليم بالتابوت . وإلقاء للتابوت على الساحل . . ثم ماذا؟ أين يذهب التابوت المقذوف فيه بالطفل المقذوف في اليم الملقى به على الساحل . من يتسلمه؟ { عدو لي وعدو له } .وفي زحمة هذه المخاوف كلها . وبعد تلك الصدمات كلها . ماذا؟ ما الذي حدث للطفل الضعيف المجرد من كل قوة؟ ما الذي جرى للتابوت الصغير المجرد من كل وقاية؟{ وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني } !!!يا للقدرة القادرة التي تجعل من المحبة الهينة اللينة درعاً تتكسر عليها الضربات وتتحطم عليه الأمواج . وتعجز قوى الشر والطغيان كلها أن تمس حاملها بسوء؛ ولو كان طفلاً رضيعاً لا يصول ولا يجول بل لا يملك أن يقول . .إنها مقابلة عجيبة في تصوير المشهد . مقابلة بين القوى الجبارة الطاغية التي تتربص بالطفل الصغير ، والخشونة القاسية فيما يحيط به من ملابسات وظروف . . والرحمة اللينة اللطيفة تحرسه من المخاوف ، وتقيه من الشدائد وتلفه من الخشونة ، ممثلة في المحبة لا في صيال أو نزال : { ولتصنع على عيني } . . وما من شرح يمكن ان يضيف شيئاً إلى ذلك الظل الرفيق اللطيف العميق الذي يلقيه التعبير القرآني العجيب : { ولتصنع على عيني } وكيف يصف لسان بشري ، خلقاً يصنع على عين الله؟إن قصارى أي بشري أن يتأمله ويتملاه . . إنها منزلة وإنها كرامة أن ينال إنسان لحظة من العناية . فكيف بمن يصنع صنعًا على عين الله؟ إنه بسبب من هذا أطاق موسى أن يتلقى ذلك العنصر العلوي الذي تلقاه .ولتصنع على عيني . تحت عين فرعون عدوك وعدوي وفي متناول يده بلا حارس ولا مانع ولا مدافع . ولكن عينه لا تمتد إليك بالشر لأني ألقيت عليك محبة مني . ويده لا تنالك بالضر وأنت تصنع على عيني .ولم أحطك في قصر فرعون ، بالرعاية والحماية وأدع أمك في بيتها للقلق والخوف . بل جمعتك بها وجمعتها بك 0· وما مدلول : { قال : قد أوتيت سؤلك يا موسى } ؟ .سرعة إنجاز الإجابة في الحال .· وما مدلول ( يا موسى ) ؟ . ج / ................وفيها مع الإنجاز ( سرعة الإجابة في الحال ) عطف وتكريم وإيناس بندائه باسمه : { يا موسى } وأي تكريم أكبر من أن يذكر الكبير المتعال اسم عبد من العباد؟ 0· وما مدلول الآيات من 37 إلى 41 ؟ .وإلى هنا كفاية وفضل من التكريم والعطف والإيناس . وقد طال التجلي؛ وطال النجاء؛ وأجيب السؤل وقضيت الحاجة . . ولكن فضل الله لا خازن له ، ورحمة الله لا ممسك لها . فهو يغمر عبده بمزيد من فضله وفيض من رضاه ، فيستبقيه في حضرته ، ويمد في نجائه وهو يذكره بسابق نعمته ، ليزيده اطمئئنانًا وأنسًا بموصول رحمته وقديم رعايته . وكل لحظة تمر وهو في هذا المقام الوضيء هي متاع ونعمى وزاد ورصيد .· بعض القرآء يقف على (... ياموسى .....) ويقطعها عما قبلها . فما المعنى إذن ؟· ( ثمم جئت على قدر ...... ياموسى ...) .
أي : ياموسى أنا معك أؤيدك وأرعاك وأنصرك , يا موسى كن مطمئئا على نجاح مهمتك ,ياموسى حسبك أن الله معك .وفيها أيضا :أن موسى لم يأت ولكن جيء به !! في الوقت الذي قدره الله , و للمهمة التي قدرها الله وحده .· { واصطنعتك لنفسي } خالصًا مستخلصًا ممحضًا لي ولرسالتي ودعوتي . . ليس بك شيء من هذه الدنيا ولا لهذه الدنيا . إنما أنت للمهمة التي صنعتك على عيني لها واصطنعتك لتؤديها . فما لك في نفسك شيء . وما لأهلك منك شيء ، وما لأحد فيك شيء . فامض لما اصطنعتك له .( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرًا ) ما علاقة الآية بأول السورة ؟ .بدأت السورة بالحديث عن القرآن ، وأنه لم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ليشقى به أو بسببه . ومن القرآن قصة موسى عليه السلام وما يبدو فيها من رعاية الله وعنايته بموسى وأخيه وقومه .فالآن يعقب السياق على القصة بالعودة إلى القرآن ووظيفته ، وعاقبة من يعرض عنه . ويرسم هذه العاقبة في مشهد من مشاهد القيامة ، تتضاءل فيه أيام الحياة الدنيا؛ وتتكشف الأرض من جبالها وتعرى ، وتخشع الأصوات للرحمن ، وتعنو الوجوه للحي القيوم . لعل هذا المشهد وما في القرآن من وعيد يثير مشاعر التقوى في النفوس ، ويذكرها بالله ويصلها به . . وينتهي هذا المقطع بإراحة بال الرسول صلى الله عليه وسلم من القلق من ناحية القرآن الذي ينزل عليه ، فلا يعجل في ترديده خوف أن ينساه ، ولا يشقى بذلك فالله ميسره وحافظه . إنما يطلب من ربه أن يزيده علماً .ما المقصود بقوله سبحانه : ( وقد آتيناك من لدنا ذكرًا ) ؟ .كذلك القصص الذي أوحينا إليك بشأن موسى نقص عليك من أنباء ما قد سبق . نقصه عليك في القرآن ويسمى القرآن ذكراً ، فهو ذكر لله ولآياته ، وتذكير بما كان من هذه الآيات في القرون الأولى{ فاصبر على ما يقولون ، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ، ورزق ربك خير وأبقى . وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } . .فيها من المعاني : الأول : أن التسبيح معين على الصبر وعلى تحمل الأذى .الثاني : أن الذكر والاتصال بالله تعالى ينقل المرء من الصبر إلى مرتبة الرضى .الثالث : أن التسبيح والذكر مطلوب في معظم أوقات اليوم والليلة .الرابع : أن يستغني بوصاله بربه عن الدنيا ومتاعها الفاني , و التي يغرق فيها أصناف من الناس .الخامس أن التعبير بالزهرة : عاجلها حسن المنظر وجمال الرائحة , وعاقبتها سرعة الذبول والزوال .السادس : { لنفتنهم فيه } فنكشف عن معادنهم ، بسلوكهم مع هذه النعمة وذلك المتاع .
شعبان شحاته
http://tareek2008.blogspot.com/

هناك تعليق واحد:

متدبر يقول...

الرحمة أولا

http://tadabbor.com/nbian/media/54

منقول من موقع الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم