الخميس، 29 ديسمبر 2011

قراءة في سورة الأنبياء

1) وظيفة الأنبياء تنبيه الناس وإيقاظهم من الغفلة

2) وقد أعطى الأنبياء القدوة من أنفسهم في الدعوة إلى الله والعبادة والصبر .

3) وتعالج قضايا العقيدة

تعالجه في ميادينه الكبيرة : ميادين التوحيد ، والرسالة والبعث والجزاء .

أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)

4) والنصر للمؤمنين الصالحين والعاقبة للمتقين .

وأن يرث الأرض عباد الله الصالحون : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }

5) والحق منتصر يعلو والباطل مخذول يهوي . لأن الحق قاعدة كونية وغلبته سنة إلهية : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }

6) تجول الآيات بالناس . . بقلوبهم وأبصارهم وأفكارهم . . بين مجالي الكون الكبرى : السماء والأرض . الرواسي والفجاج . الليل والنهار . الشمس والقمر . . موجهة أنظارهم إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرفها ، وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبر .

7) وأن يحل الهلاك بالظالمين المكذبين ، وينجي الله الرسل والمؤمنين : { ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشآء وأهلكنا المسرفين }

8) ولقد سبق في سياق السورة أن المشركين كانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه بشر . وأنهم كانوا يكذبون بالوحي ، ويقولون : إنه سحر أو شعر أو افتراء .

9) فها هو ذا يكشف لهم أن إرسال الرسل من البشر هي السنة المطردة ، وهذه نماذج لها من قبل . وأن نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى وهارون آتاهما الله كتاباً .

10) ويسمى هذا الكتاب { الفرقان } وهي صفة القرآن . فهناك وحدة حتى في الاسم . ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق والباطل ، وبين الهدى والضلال ، وبين منهج في الحياة ومنهج ، واتجاه في الحياة واتجاه . فهي في عمومها فرقان . وفي هذه الصفة تلتقي التوراة والقرآن .

11) وجعل التوراة كذلك ، { ضياء } يكشف ظلمات القلب والعقيدة ، وظلمات الضلال والباطل . وهي ظلمات يتوه فيها العقل ويضل فيها الضمير . وإن القلب البشري ليظل مظلماً حتى تشرق فيه شعلة الإيمان ، فتنير جوانبه ، ويتكشف له منهجه ، ويستقيم له اتجاهه ، ولا تختلط عليه القيم والمعاني والتقديرات .

12) وجعل التوراة كالقرآن { ذكراً للمتقين } تذكرهم بالله ، وتبقي لهم ذكراً في الناس . وماذا كان بنو إسرائيل قبل التوراة؟ كانوا أذلاء تحت سياط فرعون ، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويستذلهم بالسخرة والإيذاء .

13) ويخص المتقين { الذين يخشون ربهم بالغيب } لأن الذين تستشعر قلوبهم خشية الله ولم يروه ، { وهم من الساعة مشفقون } فيعملون لها ويستعدون ، هؤلاء هم الذين ينتفعون بالضياء ، ويسيرون على هداه ، فيكون كتاب الله لهم ذكراً ، يذكرهم بالله ، ويرفع لهم ذكراً في الناس .

14) ذلك شأن موسى وهارون . . { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } فليس بدعاً ولا عجباً ، إنما هو أمر مسبوق وسنة معروفة { أفأنتم له منكرون؟ } فماذا تنكرون منه ، وقد سبقت به الرسالات؟

ويحمل آخر السورة جزاء الغافلين وهو البوار والخذلان في الدنيا والنار والخسران في الآخرة ، وجزاء المؤمنين التمكين والعزة في الدنيا والفلاح والكرامة في الآخرة .

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

من ثمرات التلاوة : سورة الزخرف

سورة الزخرف

هدف السورة :

إرسال الرسل سواء أطاع الناس أو عصوا والتحذير من الخديعة بالمظاهر المادية .

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)

تشتمل على درس كبير للأمة مضمونه : الاهتمام بجوهر الأشياء وحقيقتها .

وفيها تحذير من الخديعة بالمظاهر المادية. حيث لا يجوزاعتبارها وسيلة لتقييم الأمور؛ ويحكم بها على الدعوة والرسل

والمبدأ الذي يبنى على الظاهر والزخرف والأشكال فيه إهدارلقيم الحياة الإنسانية الكريمة .

وقد ضربت السورة الأمثال من الأمم السابقة التي أهلكت ودمرت عندما غاب عنها أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي يبقى ولا يبيد (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) 71 .

وإليك هذا الخيط فاسمك به وهو الذي يربط السورة وينظم عقدها :

وهو الزخرف والمظهر وينعى القرآن على الناس أخذه مقياسا للحكم على الأمور :

تذكر السورة أن أسباب التكذيب كانت مظاهر مادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) آية 31

(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون.

وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين والقرآن ومبادئ الإسلام (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) آية 44،

وتحدثت الآيات عن عيسى عليه السلام لأنه رمز الزهد والحكمة وعدم الاكتراث بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63 .

ومنها أيضًا (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) آية 67 لأن سر اختيار الصحبة الدنيوية يتوقف على المظهر الخادع والمنفعة القريبة ، لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة على أسس صحيحة .

وقد سميّت السورة بهذا الاسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها ، الخادع زخرفها الذي يُخدع به الكثيرون .

وهي في حقيقتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة وهي دار الفناء يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار على السواء أما الآخرة فهي دارالبقاء والقرارلا يمنحها إلا لعباده المتقين .

هل ثم سر في ذكر قصة عيسى عليه السلام في السورة الكريمة ؟ .

لأنه رمز الزهد في الدنيا ، يرد القرآن به على المتعلقين بزيف الدنيا وزخارفها : ( قال قد جئتكم بالحكمة ) .

كما أن قومه اختلفوا في شأنه فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، وهذا مثال يسوقه الله تعالى لكفار مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلئن كذبوك فقد كذبت قبلهم يهود بعيسى عليه السلام وتآمروا عليه .

وصدق الله العظيم حيث يقول : ( ومضى مثل الأولين ) 8 .

وذكر سيدنا عيسى عليه السلام فيه ملاحظة أخرى وهي : أن القرآن الكريم يرد على الكافرين المعاندين المجادلين ؛ حيث يقولون : إذا كانت الملائكة بنات الله والأصنام صور لها فنحن إذن – أي كفار العرب – خير من النصارى الذين يعبدون عيسى وهو بشر مثلهم ومن طبيعتهم !

وقد جاء الرد واضحا وقاطعا على لسانه عليه السلام : ( إن الله ربي وربكم فاعبدون هذا صراط مستقيم ) .

وكذلك جاء ذكر إبراهيم عليه السلام وهم كانوا يدّعون أنهم على ملته فإذا هم يقابلون النبي محمدا – صلى الله عليه وسلم – وهو على ملة إبراهيم ، يقابلونه بالتكذيب والكفر .

ولاحظ أن الرسل الأربعة المذكورين في السورة من الخمسة أولي العزم ، الذين لاقوا العنت الشديد من أقوامهم .

كما أن في ذكرهم مناسبة لترتيبها مع سورة الشورى التي ورد فيها أسماء أولي العزم عليهم الصلاة والسلام .

ومما يربط السورة الكريمة باسمها أيضا : ما جاء على لسان المشركين ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) . فهم يقيسون الحياة بزخرفها وأشكالها لا بحقيقتها وجوهرها وقيمها .

وقريب من هذا في قصة موسى عليه السلام مع فرعون :

حيث يبدو فيها اعتزاز فرعون بمثل تلك القيم الزائفة ، وهوانها على الله ، وهوان فرعون الذي اعتز بها ، ونهايته التي تنتظر المعتزين مثله في كل زمان :

( ونادى فرعون في قومه قال : يا قوم أليس لي ملك مصر ، وهذه الأنهار تجري من تحتي ، أفلا تبصرون؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين؛ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين! فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين ، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلا للآخرين } .

{ مِّن ذَهَبٍ } أراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب { أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملئكة مُقْتَرِنِينَ } يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه .

ولاحظ الأمثلة التي ساقتها الآيات الكريمة :

فالله عز وجل يرسل الرسل والناس يكذبون ، ويريهم الآيات الواحدة أكبر من أختها فإذا هم ينكثون !

لغة : كلمة الزخرف في اللغة :

الزُّخْرُفُ، بالضم الذَّهَبُ، وكمَالُ حُسْنِ الشيءِ، وزخرف القول وتزيينه بمعنى الكذب . و من الأرض: ألْوانُ نَباتها.

استخف : طلب طاعتهم له على وجه السرعة .

ذهب : لم يقل : مال . وكلمة الذهب أنسب من المال . لماذا ؟ .

من و جهين : أولا : لأن الذهب زخرف وبريق لامع يأخذ العيون ويخدع النفوس وهذا المعنى يتناسب مع جو السورة الكريمة .

الثاني : أنه يذهب بالإنفاق ويتلاشى .

المقصود بالأساور : أنهم كانوا إذا نصبوا ملكا ألقوا عليه الأساور ، وهذا من الشكل العام والزخرف المناسب لمقام الملك .

أو جاء معه الملائكة مقترنين : أي ليؤازروه ويعاضدوه . وهذا من الشكل المطلوب والزخرف المرغوب لديهم .

والفضة ؟ .

تنفض بالإنفاق هي أيضا .

ومن الألفاظ والكلمات الأخرى التي تعبر عن اسم السورة : إضافة إلى كلمات الزخرف والذهب والفضة - ومعارج عليها يظهرون ، متاع الحياة الدنيا ، أسورة . والملائكة يأتون معه مقترنين : مظهر وشكل أيضا .

فسبحان من سمى السورة : سورة الزخرف !

وما الفرق بين ذهب الدنيا وذهب الآخرة وكلاهما ورد في السورة ؟ .

الفرق أن ذهب الدنيا فان زائل كزوال الأرض التي هو منها ، بدليل : فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجميعن فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) .

أما ذهب الآخرة : فمعه التنعم الدائم والخلود الباقي : يطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) .

فليس الذهب الذي يفنى ويصير ترابا ويزول عن الوجود كالذهب الذي يبقى مادة للنعيم في خلود سرمدي وعمر مديد !

- في القرآن يأتي : العذاب الأليم مع الكفر والعناد والخصام والجدال .

- والعذاب المهين مع السخرية والاستهزاء . انظر أن شئت في الجاثية وفي لقمان وغيرها تجد هذا الدليل فاعرفه فإنه سر لطيف من وراء ألفاظ القرآن الكريم الذي أحكمت آياته من لدن حكيم خبير !

وما معنى قوله تعالى : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) .

أم هنا يسمونها المنقطعة وهي بمعنى : بل .

وما معنى حرف الجر ( من ) في الآية : ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) .

من في الآية الكريمة بمعنى : بدل . والمعنى : لجعلنا بدلكم ملائكة . والله أعلم .

من مظاهر الرحمة في السورة الكريمة :

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) .

فالله عز وجل لم يعرض عن تذكيرهم بإرسال الرسل و الكتب على الرغم من عنادهم بل وإسرافهم في الكفر والجدال بالباطل .

وليس هذا شأن الله تعالى مع أهل مكة فقط ، بل أرسل الله الرسل لأقوام آخرين فكذبوا وتجاوزا الأمر إلى السخرية والاستهزاء .

وهذا أعظم دليل على رحمة الله تبارك وتعالى مع المخلوقين ، حيث يعامل أعداءه بمنطق الرحمة والصبر ويبصرهم بطريق الهداية ، وإن كان يعلم أنهم سيكذبون !

ومن مظاهر الرحمة :

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) .

والآيات على ما فيها من التهديد والوعيد فيها أيضا الإمهال وإعطاء الفرص بعد التذكير وضرب الأمثال .

هات من السورة ما يعالج شأن العقيدة .

في السورة الكريمة - وهي مكية - بناء للعقيدة من خلال علاج قضية البعث ، وإثبات أن الله هو الخالق للسموات والأرض وكل شيء ، وهو المنعم المتفضل بجلائل النعم .

كما ترد على المشركين الذين يدعون لله البنات – سبحانه – وتدحض حجتهم .

ما المقصودبالقريتين في السورة ؟ . المقصود مكة والطائف ، فهما أكثر القريتين عددا وعدة .

كيف ترد السورة على ادعاء فرعون بأنه يملك مصر وأنهارها ؟ .

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) . وفرعون لا يملك شيئا في الأصل ، بل هومخلوق يبدؤه الله ويعيده . والحمد لله رب العالمين

السبت، 24 ديسمبر 2011

آفات الانتخابات

بقلم: د. محمد السيد الدسوقي

قال سيدنا حذيفة بن اليمان: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، ومن هذا النهج أكتب هذه الكلمات، ومن الأصل الشرعي أن "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع" ننطلق بهذه العبارات، فما هي آفات الانتخابات حتى نتجنَّبها قدر المستطاع والإمكان والعمل الجاد على وحدة الوطن في هذه المرحلة الحرجة؛ التي تتطلب منا جميعًا إعلاء المصلحة العليا على المصلحة الشخصية الضيقة، كما يجب علينا اليقظة الكاملة لكل محاولات هدم الثورة، وإعادة النظام الفاسد السابق.
وأول هذه الآفات التي تأكل ثمار الانتخابات:

1- التعصب للأشخاص أو الهيئات والأحزاب:

هناك فارق كبير بين الدعوة إلى فكرة والحماس والعمل من أجلها وبين التعصب المذموم الذي يصيب الإنسان بالعمى الفكري الذي لا يرى غيره ولا يعتقد في صحة وصواب الآخرين مثله، بل وتتجه انفعالاته للنيل من الآخرين بالتجريح والتشهير والغيبة والاعتداء، وكل ما يدعو به الشيطان لإفساد العلاقة بين البشر، ولا بد أن نذكِّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم".

ينبغي علينا أن نغلق باب العصبية ودعوى الجاهلية التي نشأت حتى بين المهاجرين والأنصار في الواقعة المشهورة حينما تشاجر رجلان فقال: رجل من المهاجرين: يا للمهاجرين وقال الآخر: يا للأنصار، وكادت تحدث الفتنة حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعالج الموقف بالحكمة وهدي النبوة حتى نتعلم منه وقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!".

لذلك على العاملين بالسنة الحقيقية والعقلاء والحكماء أن يتدخلوا لنزع فتيل العصبية وزراعة الثقة والاحترام في أرض الوطن، بدلاً من أنغام الفرقة والشقاق.

2- الكذب والتجريح والغيبة:

الكلمة هي أخطر ما يملك الإنسان، واللسان هو الذي يؤدي بصاحبه إلى التهلكة، وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ "هل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم؟!"، وقد كان سيدنا أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: "هذا الذي أوردني المهالك" وإذا لم تخرج الكلمة من الإنسان فهو يملكها فإن خرجت ملكته، وحينما يقام سوق الانتخابات تستعد الألسنة دون كلل أو تعب للحديث ليل نهار في جميع الاتجاهات، وقد يستمر التراشق بالألفاظ دون توقف ويقع في هذا الفخ الكثير إلا من رحم الله، وهم أصحاب الإيمان العميق والتكوين الدقيق، الذين تربوا على دعوة الحق والذين تعلموا عدم تجريح الأشخاص والهيئات، فعاشوا في نور القرآن ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: من الآية 12)، وطبَّقوا السنة في حديثه صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟!......... ".

وتواصوا فيما بينهم بعدم الانسياق وراء الناعقين وأصحاب القصف الإعلامي المركز لتشويه صورة المخلصين والافتراء والكذب على المجاهدين الذين وقفوا في وجه الظالم، وقالوا كلمة حق عند سلطان جائر، ويا ليت كلاًّ منا يحفظ لسانه ويترفَّع عن الخطأ في الآخرين.

إن المكسب الحقيقي من الانتخابات هو القدوة الطيبة في القول والعمل، والحصول على ثقة الناس بالحق، بغض النظر عن عدد المقاعد البرلمانية والخسارة الكبيرة في اتباع سبيل الشيطان بالكذب أو النفاق أو تجريح الآخر والانتقاص من شأنه، حتى ولو حصد البعض الكثير من المقاعد.

3- الحسد وغياب سلامة الصدر:

أول جريمة قتل حدثت في تاريخ البشرية هي قتل قابيل لهابيل بسبب الحسد ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)(المائدة).

والحسد يدبُّ في قلوب ضعفاء الإيمان، ولكن المرحلة الخطيرة التي يمر بها الوطن تتطلب أن نرتفع فوق هوى النفس، ونهنئ الفائز بالمقعد، وندعو له أن يتحمل المسئولية كما ينبغي ونقف وراءه لبناء هذا الوطن، لا أن نهدمه، ونحمد الهق الذي عافانا من المسئولية وهي شديدة بين يدي الخالق.. "إنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"، وأقول بصدق لكل مخلص: إذا كنت تريد المصلحة العامة وخدمة الوطن كما تقول واختار الناس غيرك؛ فلماذا الحسد والغل والانفعالات النفسية، فكن في ركب العمل، وقدم التهنئة بروح رياضية، وادعُ لغيرك بالتوفيق، فإن فعلت هذا فأنت مخلص ووطني وصاحب نفس عالية وهمة قوية.

إن أدنى مراتب الأخوَّة بين المسلمين هي سلامة الصدر التي تتحقق بزيادة منحنى الإيمان في النفس، والأمة الناهضة هي التي تحقق هذه المرتبة لترتفع منها بعد ذلك إلى أعلى المراتب، وهي الإيثار، وتعالوا إلى روضة القرآن لنرى أرفع الأمثلة عبر التاريخ لنتعلم منها بين المهاجرين والأنصار ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)(الحشر).

4- الخصومة وغياب المحبة:

يحدث بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة خصومة وفقدان المحبة بينهم؛ لاختلاف من يؤيدون من المرشحين، وأحب أن أؤكد أن الاختلاف سنة فطرية خلقها الله في البشر.. ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) (هود).

على كل مصري أن يحترم رغبة الآخر في الاختيار، ولا ينكر عليه ذلك ويحسن الظن به وفي النهاية الأغلبية ملزمة للأقلية، وأروع الأمثلة الإسلامية كانت في ممارسة الشورى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والمجال فيه الكثير، وليس هناك متسع للحديث فيه الآن، ولكن علينا جميعًا أن نقبل باختيار الناس، وألا نحدث خصومة مطلقًا بيننا داخل الأسرة، أو القرية، أو المدينة؛ فالأمر لا يحتمل ذلك، والوطن في حاجة لكل جهد من الجميع حتى تعود إلينا الريادة والقيادة للبشرية بمشروعنا الإسلامي الحضاري العظيم الذي تسعد به كل الأقطار والبلدان كما سطعت شمسه من قبل.

هذه بعض آفات الانتخابات، وأختم بأننا على أعتاب مرحلة جديدة يولد فيها الوطن من جديد، وهناك مخاض عسير يتطلب من الجميع التكاتف لإنقاذ الجنين الذي نشأ في رحم ثورة 25 يناير، ولكن البعض يحاول إجهاض الجنين، وقتل أمن مصر؛ فهل نساهم في ذلك بهوى النفس أم أننا سنرتفع فوق الآفات ونقيل العثرات ونعفو عن الزلات، ونزرع الخيرات لنجني الثمرات؟!
فنرجو أن نكون كذلك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.