الجمعة، 31 ديسمبر 2010

سؤال وجواب حول القرآن الكريم

ما المعنى اللغوي والاشتقاقي لكلمتي "قرآن" و"كتاب" ؟
معنى القرآن في اللغة
القرآن في الأصل مصدر على وزن فُعلان بالضم، كالغفران والشكران والتكلان. تقول: قرأته قرءًا وقراءةً وقرآنًا بمعنى واحد، أي تلوته تلاوة، وقد جاء استعمال القرآن بهذا المعنى المصدري في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي قراءته.
ثم صار علمًا شخصيًّا لذلك الكتاب الكريم. وهذا هو الاستعمال الأغلب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ويسمى أيضًاالكتاب، ومنه قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}.
سر التسمية بالاسمين جميعًا :
روعي في تسميته قرآنًا كونه متلوًّا5 بالألسن، كما روعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.
من كتاب النبأ العظيم للدكتور / محمد عبد الله دراز .

من القائل :
1 - ( كانوا { يقصد الصحابة والتابعين } يقرؤون القرآن فيرتفعون إلى مستواه ونحن نقرأ القرآن فنشده إلى مستوانا ؟ .
القائل : الشيخ محمد الغزالي رحمه الله .
من القائل :
3 - لا عجب إذًا أن يكون أدنى الألقاب إلى القرآن في خيال العرب أنه شعر؛ لأنها وجدت في توقيعه هزة لا تجد شيئًا منها إلا في الشعر. ولا عجب أن ترجع إلى أنفسها، فتقول: ما هو بشعر؛ لأنه -كما قال الوليد1- ليس على أعاريض الشعر في رجزه ولا في قصيده. ثم لا عجب أن تجعل مرد هذه الحيرة أخيرًا إلى أنه ضرب من السحر؛ لأنه جمع بين طرفي الإطلاق والتقييد في حد وسط، فكان له من النثر جلاله وروعته، ومن الشعر جماله ومتعته.

فإذا ما اقتربت بأذنك قليلًا قليلًا، فطرقت سمعك جواهر حروفه خارجة من مخارجها الصحيحة، فاجأتك منه لذة أخرى في نظم تلك الحروف ورصفها وترتيب أوضاعها فيما بينها؛ هذا ينقر وذاك يصفر، وثالث يهمس ورابع يجهر، وآخر ينزلق عليه النفَس، وآخر يحتبس عنده النفس. وهلم جرا، فترى الجمال اللغوي ماثلًا أمامك في مجموعة مختلفة مؤتلفة لا كركرة ولا ثرثرة، ولا رخاوة ولا معاظلة، ولا تناكر ولا تنافر. وهكذا ترى كلامًا ليس بالحضري الفاتر، ولا بالبدوي الخشن، بل تراه وقد امتزجت فيه جزالة البادية وفخامتها برقة الحاضرة وسلاستها، وقدر فيها الأمر تقديرًا لا يبغي بعضهما على بعض. فإذا مزيج منهما كأنما هو عصارة اللغتين وسلالتهما، أو كأنما هو نقطة الاتصال بين القبائل، عندها تلتقي أذواقهم، وعليها تأتلف قلوبهم . ؟ .
القائل : الدكتور محمد عبد الله دراز في كتاب النبأ العظيم .

الخميس، 30 ديسمبر 2010

أسئلة وإجابات حول القرآن الكريم

1 - ما المعنى اللغوي والاشتقاقي لكلمتي ( قرآن وكتاب ) ؟ .
2 - من القائل :
أ - ( كانوا { يقصد الصحابة والتابعين } يقرؤون القرآن فيرتفعون إلى مستواه ونحن نقرأ القرآن فنشده إلى مستوانا ؟ .

ب - لا عجب إذًا أن يكون أدنى الألقاب إلى القرآن في خيال العرب أنه شعر؛ لأنها وجدت في توقيعه هزة لا تجد شيئًا منها إلا في الشعر. ولا عجب أن ترجع إلى أنفسها، فتقول: ما هو بشعر؛ لأنه -كما قال الوليد1- ليس على أعاريض الشعر في رجزه ولا في قصيده. ثم لا عجب أن تجعل مرد هذه الحيرة أخيرًا إلى أنه ضرب من السحر؛ لأنه جمع بين طرفي الإطلاق والتقييد في حد وسط، فكان له من النثر جلاله وروعته، ومن الشعر جماله ومتعته.
فإذا ما اقتربت بأذنك قليلًا قليلًا، فطرقت سمعك جواهر حروفه خارجة من مخارجها الصحيحة، فاجأتك منه لذة أخرى في نظم تلك الحروف ورصفها وترتيب أوضاعها فيما بينها؛ هذا ينقر وذاك يصفر، وثالث يهمس ورابع يجهر، وآخر ينزلق عليه النفَس، وآخر يحتبس عنده النفس. وهلم جرا، فترى الجمال اللغوي ماثلًا أمامك في مجموعة مختلفة مؤتلفة لا كركرة ولا ثرثرة، ولا رخاوة ولا معاظلة، ولا تناكر ولا تنافر. وهكذا ترى كلامًا ليس بالحضري الفاتر، ولا بالبدوي الخشن، بل تراه وقد امتزجت فيه جزالة البادية وفخامتها برقة الحاضرة وسلاستها، وقدر فيها الأمر تقديرًا لا يبغي بعضهما على بعض. فإذا مزيج منهما كأنما هو عصارة اللغتين وسلالتهما، أو كأنما هو نقطة الاتصال بين القبائل، عندها تلتقي أذواقهم، وعليها تأتلف قلوبهم . ؟ .

انتظر الإجابة غدًا إن شاء الله .
للتواصل معي : hudahuda2007@yahoo.com

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

من ثمرات التلاوة : خواطر حول سورة العنكبوت



هدف السورة: مجاهدة الفتن والنجاة من الابتلاء
سورة العنكبوت مكيّة وتدور آياتها حول الفتن وسنّة الإبتلاء في هذه الحياة وقد نزلت في وقت كان المسلمون يتعرضون في مكة لأقسى أنواع المحنة والشدّة. فالإنسان معرّض لأن يفتن في كثير من الأمور كفتنة تكاليف الإيمان 0وما يتطلبه من جهد وتضحيات .
وفتنة المال والبنين والدنيا والسلطة والشهوات والصحة والأهل وهذا من تدبير الله تعالى ليبلو الناس أيهم أحسن عملا وليعلم صدق العباد وليختبرهم في إيمانهم وصدقهم.
تبدأ السورة الكريمة تتحدث بصراحة عن فريق من الناس يحسبون الإيمان كلمة تقال باللسان فإذا نزلت بهم محنة وابتلاء نكصوا على أعقابهم وارتدوا عن إيمانهم وتخلوا عن إسلامهم ، تخلصاً من عذاب الدنيا وكأن عذاب الآخرة أهون منه .
وتتحدث السورة عن الفتن وكأنها مستمرة في حياة الناس ، وعليهم أن يتعلموا كيف يواجهونها ويجاهدونها .
ثم يستعرض السياق قصص الأنبياء :
وكيف واجهوا الأذى من أقوامهم ، سيدنا نوح ، وإبراهيم ، ولوط ، وموسى ، وشعيب .
وفي هذ القصص كله دروس من المحن والابتلاء تتمثل في ضخامة الجهد الذي يبذله الأنبياء وضآلة الحصيلة فما آمن مع نوح إلا قليل وكذلك لوط وغيرهم عليهم السلام .
وتحدثت الآيات عن بعض من طغوا وتكبروا في الأرض ، كعاد وثمود وقارون وهامان مع ذكر ما حلّ بهم من الهلاك والدمار.
وتختم السورة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) آية 69 ببيان جزاء الذين صبروا أمام المحن وجاهدوا بأنواع الجهاد النفسي والمالي ووقفوا في وجه المحنة والابتلاء صامدين ثابتين .
حول اسم السورة :
ضرب الله تعالى لنا هذا المثل ليدلنا على أنه كما تتشابك وتتعدد خيوط العنكبوت التي ينسجها كذلك هي الفتن في هذه الحياة متعددة ومتشابكة لكن إذا استعان العبد بالله فإن هذه الفتن كلها تصبح واهية كبيت العنكبوت تماماً.
فسبحان الذي يضرب الأمثال وهو العليم الحكيم.
ومثل العنكبوت هنا على عكس الأمثلة التي ضربها تعالى في النمل والنحل. فالنمل عبارة عن أمّة منظمة دقيقة رمز التفوق الحضاري، وأنت تلاحظ أن سورة النمل فيها إشارات إلى العلم .
أما مثل النحل فضربه الله تعالى نعمة للعباد فأخرج من بطونها العسل،شرابًا وشفاءً للناس .
وقد أثبتت الدراسات العلمية مؤخراً حقيقة علمية أن ذكر العنكبوت ما إن يلقّح الأنثى حتى تقضي عليه وتقطعه ثم إذا كبر صغار العنكبوت يقتلون أمهم فهو بحقّ من أوهن البيوت اجتماعياً.
ومن هنا نعلم أن الذين يعبدون غير الله ويرفضون منهجه ودينه وشريعته ، فهم كالعنكبوب اتخذت بيتا ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .
فانظر مثلهم يوم القيامة وتذكر بيت العنكبوت وطابق المثل مع الجزاء :
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) .
فكيف يترك الناس توحيد الله وعبادته وهم يقرون به ربا خالقًا بديعًا :
( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ) .
كيف يقرون بذلك ثم يتخذون بيت العنكبوت وهو مثل قرآني يبين ضعف وهوان وخراب كل بيت أو كل مأوى غير مأوى الله ، وكنف الرحمن .
ونحن إذا نظرنا إلى افتتاح السورة :
1) فهي تبدأ بالحروف التي تشير إلى القرآن .
2) ثم تتحدث عن تكاليف الإيمان ومايبذله الدعاة من جهد وما يقدمون من تضحيات ؛ من أجل أن يبلغوا دعوة ربهم ، ومايقابلونه من عنت الكافرين .
3) ثم حديث عما يلاقيه الكافرون من عذاب وأنهم لن يفلتوا من قبضة الله وعذابه .
4 ) ومن كان يريد لقاء ربه ويرجوه فسيحقق الله له مايريد من حسن الجزاء وعظيم المثوبة .
5 ) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، وهي التبعة الفردية لكل إنسان .
6 ) وفي السورة الكريمة توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم وللدعاة : كيف يثبتون في أنفسهم وكيف يواجهون أقوامهم ، وبيان لرحمة الله بالمؤمنين .
هذا ما بدأت به السورة الكريمة .
وتكاد السورة كلها تدور حول هذه المعاني . فأنت تستطيع أن تضع آيات السورة تحت أي من هذه المفاهيم .
والله أعلم .
1 ) بدأت السورة الكريمة بالحروف المقطعة ( الم ) ...
والسور التي تبدأ بهذه الحروف التي هي مادة هذا الكتاب وهي لغة القوم ومع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بسورة من مثله .
فالسور التي بدئت بهذه الحروف تتضمن حديثاً عن القرآن وتستطيع أن تلاحظ ذلك في سور القرآن الكريم .
فقد ورد فيها :
• { اتل ما أوحي إليك من الكتاب }
• { وكذلك أنزلنا إليك الكتاب }
• { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك }
• { بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } .
2 ) أما الحديث عن تكاليف الإيمان وما يبذله الدعاة : فقد تناولته الآيات الآتية :
• { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) .
• وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
• وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) لغاية الآية 36 . والآية : 39 .

3 ) والآيات التي تحدثت عما يلاقيه الكافرون :
• ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) .
• يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) .
• وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) .
• ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) .

• إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) .
• فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) .

4 ) ومن كان يرجو ثواب الله وعظيم الأجر فقد تناولت هذا المعنى الآيات الآتية :
• وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) .
• وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) .
• فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
• وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
• وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) .

5) وكل ما يفعله الإنسان يعود عليه هو وهي التبعة الفردية :
• مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
• وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)

• ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) .

6 ) وفي السورة توجيه للدعاة من الله عز وجل :
فتلاوة القرآن واتباع هديه وأقامة تعاليمه هي سبيل النجاة في الآخرة والنصر في الدنيا :
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) .
ويعلمه كيف يقابل المشركين والكافرين :
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54)
وهذا خطاب من الله مباشر للمؤمنين يفيض رأفة ورحمة ، وذلك بعد الحديث عن عذاب الكافرين يوم القيامة يا عبادي المؤمنون أدركوا أنفسكم فإني بكم رءوف رحيم :
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) .
والحمد لله أولا وآخرا .


الأحد، 12 سبتمبر 2010

من ضوابط تدبر القرآن

من مدونة هدى للناس


[Enter Post Title Here]


الضوابط العشرة في تدبر آيات القرآنً


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذه الأيام المباركة العظيمة يكثر الناس من قراءة القرآن الكريم وأيضا كتب التفسير وبعض الناس يحبس معاني القرآن فيما قاله العلماء، والبعض الآخر يغالي في فهم معاني القرآن، ويحمِّل الآيات ما لا تطيق . فما هي ضوابط التدبُّر في آيات القرآن علماً بأنني لا أقصد ضوابط التفسير التي تكلم عنها العلماء؟ جزاكم الله خيرا وكل عام وأنتم بخير وعافية.


المستشار الأستاذ مسعود صبري

الأخ الفاضل أحمد؛
أحمد الله تعالى إليك أن جمعنا على طاعته، ومدارسة أمور دينه ودعوته، فهذه من نعم الله تعالى التي يجب علينا شكرها، فقد غفل عنها كثيرٌ منَّا، وقليلٌ من عباد الله الشكور.

كما أشكر لك طرحك هذا السؤال الهام، الذي ينمُّ عن فهمٍ جيِّدٍ في موضوع استشارتك، فالناس في تدبُّر آيات الله صنفان كما ذكرت، بين إفراط وتفريط، وليس هذا هو منهج الإسلام المطلق، بل إن منهج الإسلام وسطٌ في كلِّ حالاته، مهما بدا غير ذلك لبعض الناس.

وقبل الشروع في ضوابط التدبر -وأحسب أنَّه موضوعٌ بِكرٌ لم يُسبق إليه- فإنَّه من الجميل أن تستثار النفس حين التدبُّر في كتاب الله تعالى، وأن تقرأ بوعيٍ وفكر، فلا تكون القراءة مجرَّد إجراء الأحرف على الشفاه واللسان، ولكن يجب أن يكون لها مستقرٌّ في القلب، ومسكنٌ في العقل، حتى تؤتي القراءة ثمرتها.

ومن عجيب ما يروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما قام الليل كلَّه بآيةٍ واحدة، مثل قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنَّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنَّك أنت العزيز الحكيم)، هذا يعني أنَّ التدبُّر يولِّد معاني جديدة، ويجعل الإنسان يستشعر في مراتٍ أخرى أمورًا ربَّما غفل عنها، أو كانت هذه الطريقة مفتاحًا للقلب، أن يتلقى ما يقذفه الله تعالى في قلوب عباده القارئين لآياته.. من معاني سامية، وقيمًا سامقة، وآدابًا طيِّبة، تظهر في سلوك الفرد، وينعكس ذلك على حياة المجتمع المسلم.

ولقد جاء الأمر من الله تعالى بتدبر الآيات، فقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا)، وقال: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)،
وحين ننظر إلى قول الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا)، نلحظ أنَّه من مستلزمات الشفاء أن يقرأ المسلم آيات الله بقلبه، لأنَّه شفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمةً للمؤمنين، فلابدَّ من التدبُّر العقلي والقلبي، حتى تستفيد النفس من هذه الشحنة الإيمانيَّة.

وقد يفتح الله تعالى على القارئ معاني لم تكن موجودة في كتب التفسير؛ ولذا، فإنَّه كما جاء في الخبر عن القرآن: “ولا يخلق من كثرة الرد”، فالقرآن متجدِّد، وسيكتشف علماؤه من الأمَّة ومن فتح الله عليهم ما لم يكتشفه من كان قبلهم، ولعلَّ من جميل ما كان يقوله الشيخ الشعراوي –رحمه الله– أن تسمَّى خواطر، مع ما فيها من التفسير، وعدم الخروج عن الحدود التي رسمها أهل القرآن والتفسير من شروط القول في كتاب الله تعالى.

ولقد عهدت الأمة أن يخرج منها من يوضح بعض النكات واللطائف من المعاني غير المشتهرة، والتي لم يقل بها أهل التفسير.

كما نجد إشارةً من الأستاذ الشيخ سيِّد قطب رحمه الله، حين يسمّي كتابه في القرآن “في ظلال القرآن”، وهذا بخلاف ما كان يصنعه الأئمة السابقون كابن كثير، حين سمَّى كتابه “تفسير القرآن العظيم”، وكذلك ابن جرير الطبري، والسيوطي في الدر المنثور، والزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لآيات الأحكام، وأبي السعود في تفسيره، وغيرهم؛ لأنهم كانوا يعتنون ببيان مراد الله تعالى من الآيات.

إن انفتاح القلب ليتلقَّى ويفهم من مراد الله تعالى أمرٌ مرغوبٌ فيه، وهو داخلٌ في عموم الأمر بتدبُّر القرآن الكريم، وألا يجعل الإنسان على قلبه قفلاً يمنع رزق الله له من استشراف المعاني السامية للقرآن الكريم، غير أنَّ هذا لابدَّ فيه من ضوابط تحميه من القول بغير علمٍ في كتاب الله، ويمكن اعتبار أهمها:

1- العلم برسوم القرآن وحدوده، ومعرفة أحكام التجويد وعلامات الوقف وغيرها، لأنَّ هذا يساعد على فهم معاني القرآن الكريم، والوقوف على كثيرٍ من مراد الله تعالى.

2- الإلمام العام والإحاطة باللغة العربية، وذلك لأنَّه كما قال تعالى: (إنَّا أنزلناه قرآنا عربيًّا لعلكم تعقلون)، وقال: (قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج)، وكما قال ابن عباس: “إن استشكل عليكم شيءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر ديوان العرب”، ومن المعلوم أنَّ الشعر جامعٌ لمعظم ضروب اللغة وأساليبها وبيانها وبلاغتها، كما أخبر ابن عباس أنَّ واحدا من أقسام القرآن الأربعة أن يفهم بما ورد عن العرب في لغتهم.

3- المعرفة العامة بمعاني القرآن الكريم، حتى لا يخبر من يتدبّر كتاب الله تعالى بخلاف ما قاله أهل التفسير، فيكون تقوُّلاً على الله بما لم يقل، بل يجعل ما يتدبَّره في سياق أهل التفسير.

4- عدم الانحصار في حدود القرآن ورسومه فحسب، فلا يكون الهمّ هو إيضاح المعاني اللغويَّة والفقهيَّة وغيرهما، بل يفتح قلبه لأن يكون وعاءً لما يقذفه الله تعالى فيه، وما يجريه على عقله من معاني وخواطر.

5- أن يكون عاملاً بالقرآن الكريم، معايشًا له في حياته، وقَّافًا عند حدوده، منفذًا لأوامره، مجتنبا لنواهيه، جاعله دستور حياته، وقانونه الذي يرجع إليه في صغير أمره وكبيره، وأن يتخلَّق بأخلاقه، وأن يتحلَّى بما ورد فيه من آداب وسلوك، فعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال: “إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربِّهم فكانوا يتدبّرونها بالليل، وينفذونها بالنهار”.

6- أن يكثر من التلاوة منه، لأنَّ مداومة طرق الباب يتولَّد عنها الألفة والعشرة والمعايشة، فمن تقرَّب من القرآن تقرَّب منه، ومن عاش معه عايشه، ومن أعطاه من وقته، وهبه الله ممَّا يجعله مستقيم الحال، عالمًا بأسراره وكوامنه.

7- أن يكثر من القيام بالقرآن في جوف الليل ووقت السحر، فإنَّه أنقى للمسلم أن يفتح قلبه، وتستعد نفسه لما يقذفه الله تعالى من معاني التدبر والفهم لمراده سبحانه من كلامه.

8- أن يهيئ المكان الذي سيقرأ فيه القرآن ويتدبر فيه معانيه، فلا يكون فيه ما يشغله عن التدبر، ومن هنا كان من آداب التلاوة أن يكون على طهارة أو يتسوك أو ينظف المكان أو يضع عطرا ونحو ذلك.

9- أن يتحلَّى المسلم بالإخلاص في قراءته وتلاوته، فإنَّه أدعى أن يفتح الله تعالى له من فضله فيما يخصّ كلامه، فإن قَصْد الناس بالتلاوة حاجبٌ عن فيوض الله تعالى له.

10- أن تكون له صحبة تعينه على التدبر، وأن تصحّح له إن أخطأ، وتنصح له عند الحاجة، وتأخذ بيده في طريق الله، كما قال موسى عليه السلام فيما حكى عنه القرآن: (واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرًا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا).

وما أجمل ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون”.

وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: “حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيمًا لحقّ القرآن”.

وليعلم أنّ القرآن دواء، ولن يكون دواءً لأسقام النفوس والأجساد إلا إذا كان بالتدبّر، قال إبراهيم الخواص: دواء النفس خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرُّع عند السَّحر، ومجالسة الصالحين.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن إذا قرأوا القرآن تدبَّروه ووعوه وعملوا به، وأخلصوا في العمل، وتقبل منهم، واجعل ذلك ذخرًا لهم في حياتهم وبعد مماتهم.

الخميس، 26 أغسطس 2010

مقاصد القرآن الكريم


ذكر الإمامُ محمد رشيد رضا صاحب المنار في كتابه: "الوحي المحمدي"؛ عشرة مقاصد للقرآن الكريم، ونَحَى بها نَحوًا يتعلق بالإصلاح التربوي، وهي على النحو التالي:
1- بيان حقيقة أركان الدين الثلاثة: الله، البعث، العمل الصالح.
2- بيان ما جهل البشر من أمور الرسالة والنبوة ووظائف الرسل.
3- إكمال نفس الإنسان من الأفراد والجماعات والأقوام.
4- الإصلاح الإنساني الاجتماعي السياسي الوطني.
5- تقرير مزايا الإسلام العامة في التكاليف الشخصية.
6- بيان حكم الإسلام السياسي الدولي: نوعه وأساسه وأصوله العامة.
7- الإرشاد إلى الإصلاح المالي.
8- إصلاح نظام الحرب ورفع مفاسدها وقصرها على ما فيه الخير والشر.
9- إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية.
10- تحرير الرقبة (5). ( وتحرير الإنسان عموما ) .

وذكر شيخنا العلامة د. يوسف القرضاوي سبعة مقاصد للقرآن الكريم تتداخل كثيرًا وتتماس مع ما ذكره رشيد رضا. وهي:
1- تصحيح العقيدة والتصورات للألوهية والرسالة والجزاء.
2- تكريم الإنسان ورعاية حقوقه.
3- توجيه الناس إلى حسن عبادة الله وتقواه.
4- الدعوة إلى تزكية النفس البشرية.
5- تكوين الأسرة وإنصاف المرأة.
6- بناء الأمة الشهيدة على البشرية.
7- الدعوة إلى عالم إنساني متعاون (6).

ويتناول الشيخ كل عنصر أو مقصد من هذه المقاصد من خلال معالم وأسس وعوامل تصب في تحقيق هذا المقصد يمكن مراجعتها في الكتاب.

ومن أفضل التفاسير التي نعرف من خلالها مقاصد القرآن ومقاصد السور هو "في ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب، ومن التفاسير التي تلحظ فيها البعد المقاصدي أيضًا: تفسير التحرير والتنوير للإمام محمد الطاهر بن عاشور، وتفسير العلامة عبد الرحمن السعدي، رحمهم الله ورضي عنهم.

والقرآن نفسه يتحدث عن مقاصده وغاياته:
- فهو للهداية: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ (المائدة).

- وهو لإخراج الناس من الظلمات إلى النور: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)﴾ (إبراهيم).

ـ وهو لسعادة الإنسان: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى(2)﴾ (يس).

ـ وهو كتاب لإعزاز الأمة: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)﴾ (الأنبياء)، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾ (الزخرف).

والمتتبع للقرآن الكريم يجد من ذلك مقاصد كثيرة ومتنوعة .
من مقال للدكتور / وصفي عاشور .

الأربعاء، 28 يوليو 2010

رمضان شهر الجود والقرآن


من كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي بتصرفالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد :عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلّم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ؛ فلرسول الله صلى الله عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )) [ رواه البخاري ومسلم ] 0رمضان شهر الجود والإحسانالجود هو سعة العطاء وكثرته ، والله تعالى يوصف بالجود وفي الأثر المشهور عن الفضيل بن عياض ، قال : (( إن الله تعالى يقول كل ليلة : أنا الجواد ومني الجود ، أنا الكريم ومني الكرم )) فالله سبحانه وتعالى أجود الأجودين ، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة ، كشهر رمضان ، وفيه أُنزل قوله تعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } [ البقرة : 186 ] 0جود النبي صلى الله عليه وسلّملما كان الله عز وجل قد جبل نبيه صلى الله عليه وسلّم على أكمل الأخلاق وأشرفها ، كما في حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجود الناس كلهم ، وكان جوده بجميع أنواع الجود ، من بذل العلم والمال ، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده ، وإيصال النفع إليهم بكل طريق ؛ من إطعام جائعهم ، ووعظ جاهلهم ، وقضاء حوائجهم ، وتحمل أثقالهم 0ولم يزل صلى الله عليه وسلّم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ ، ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه : والله ، لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق 0 ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافاً كثيرة 0 وفي الصحيحين عن أنس ، قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن الناس ، وأشجع الناس ، وأجود الناس )) ، وفي صحيح مسلم عنه قال : (( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم ، أسلموا ؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة )) 0وكان جوده صلى الله عليه وسلّم كله لله عز وجل ، وفي ابتغاء مرضاته ، فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج ، أو ينفقه في سبيل الله ، أو يتألف به على الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه 0وكان صلى الله عليه وسلّم يؤثر على نفسه وأهله وأولاده ، فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ، ويعيش في نفسه عيشة الفقراء ، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع 0وكان جوده صلى الله عليه وسلّم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور ، كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضاً ، فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الريمة ، وكان على ذلك من قبل البعثة ، ثم كان بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك ؛ فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السلام ، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم ، ويدارسه الكتاب الذي جاء به إليه ، وهو أشرف الكتب وأفضلها ، وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق 0وقد كان هذا الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خلقاً ، بحيث يرضى لرضاه ، ويسخط لسخطه ، ويسارع إلى ما حث عليه ، ويمتنع مما زجر عنه ؛ فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر ؛ لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام ، وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم ، الذي يحث على المكارم والجود 0وقد قال بعض الشعراء يمتدح بعض الأجواد ولا يصلح ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم :تعود بسط الكف حتى لـو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامـــلهتراه ما جئته متهـــــللا كأنك تعطيه الذي أنت سائلـههو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف و الجود ساحلهو لو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليــتق الله سائلـهفوائد الجودوفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلّم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة :منها : شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه ، فعن أنس مرفوعاً : (( أفضل الصدقة صدقة في رمضان )) [ رواه الترمذي ] 0ومنها : إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم ، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم ، كما أن من جهز غازياً فقد غزا ، ومن خلفه في أهله فقد غزا 0ومنها : أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، لا سيما في ليلة القدر ، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء ، فمن ججاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل ؛ والجزاء من جنس العمل 0ومنها : أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة ، كما في حديث علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : (( إن في الجنة غرفاً يري ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها )) قالوا : لمن يارسول الله ؟ قال : (( لم طيب الكلام ، وأطعم الطعامم ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام )) [ رواه الترمذي وأحمد ] 0وهذه الخصال كلها تكون في رمضان ، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام ، والقيام والصدقة ، وطيب الكلام ؛ فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث 0 والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل ؛ قال بعض السلف : الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق ، والصيام يوصله إلى باب الملك ، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك 0ومنها : أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها ، وخصوصاً إن ضم إلى ذلك قيام الليل ، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال (( الصيام جنة )) [ رواه البخاري ومسلم والنسائي ] 0 وكان أبو الدرداء يقول : صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور ، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور ، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير 0ومنها : أن الصيام لابد أن يقع فيه خلل ونقص ؛ وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه ، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي ، ولهذ نهي أن يقول الرجل : صمت رمضان كله ، أو قمته كله 0 فالصدقة تجبر مافيه من القص والخلل ، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث 0ومنها : أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله ، فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله ؛ وآثر بها ، أو واسى منها 0 ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر ؛ لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ ، فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه ، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعامم و الشراب له ، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها . وسئل بعض السلف : لم شرع الصيام ؟ قال : ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع 0وجاء سائل إلى الإمام أحمد ، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ، ثم طوى وأصبح صائماً ، وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً ، ويجلس يروحهم وهم يأكلون 0 وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلوى وغيرها وهو صائم 0 سلام الله على تلك الأرواح 0 رحمة الله على تلك الأشباح 0 لم يبق منهم إلا أخبار وآثار 0 كم بين من يمنع الحق الواجب عليه وبين أهل الإيثار ! 0رمضان شهر القرآنشهر رمضان له خصوصية بالقرآن ، كما قال تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185] 0وكما قال النبي صلى الله عليه وسلّم : (( نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان )) [ رواه أحمد ] 0 وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق : ((كان النبي صلى الله عليه وسلّم أجود الناس ، وكان أجود ما يون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ؛ فلرسول الله صلى الله عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )) 0دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان ، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له ، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان 0وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها صلى الله عليه وسلّم (( أنه أخبرها أن جبريل كان يعارضه القرآن كل عم مرة ، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين )) وفي حديث ابن عباس : (( أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً ))[ رواه البخاري ومسلم ] 0 فدل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن ليلاً ؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ، وتجتمع فيه الهمم ، ويتوطأ فيه القلب و اللسان على التدبر ، كما قال تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا } [ المزمل : 6 ] 0وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره ، وقد صل معه حذيفة ليلة في رمضان ، قال : فقرأ بالبقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ن لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل 0 قال : فما صلى الركعتين حتى جاءه بلاب فآذنه بالصلاة [ رواه أحمد ] 0وكان عمر قد أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان ، فكان القاريء يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر 0حال السلف مع القرآن في رمضانكان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ؛ منهم قتادى وبعضهم في كل عشر ؛ منهم أبو رجاء العطاردي 0وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها ؛ كان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان ، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة ، وفي بقية الشهر في ثلاث ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، و في العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وعن أبي حنيفة نحوه 0قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف 0وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في الأوقات المفضلة ، كشهر رمضان ، خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في الأماكن المفضلة ، كمكة ـ شرفها الله ـ لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب فيها تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان 0ولكن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ختم القرآن في أقل من ثلاث ، ولم يثبت عن الصحابة أنهم ختموا في أقل من أسبوع .وهذا هو الطريق الأحكم والسبيل الأقوم ؛ لكي يجد المؤمن مجالا للتدبر والتأثر .بدليل أن الصحابة كانوا أكثر ورعا ، وأتقى قلوبا من التابعين .فليس الأمر بكثرة العبادة ولكن الإيمان يزيد بالطاعة المؤثرة ، ولا يزيد بالطاعة على إطلاقها . والله أعلم .واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه : جهاد بالنهار على الصيام ، وجهاد بالليل على القيام ، فمن جمع بين هذين الجهادين ، ووفى بحقوقهما ، وصبر عليهما ، وُفي أجره بغير حساب 0قال كعب : ينادي يوم القيامة منادٍ : إن كل حارث يعطى بحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام ، يعطون أجورهم بغير حساب ، ويشفعان له أيضاً عند الله عز وجل 0الصيام والقرآن يشفعان للعبدعن عبدالله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ؛ يقول الصيام : أي رب ، منعته الطعام والشهوات بالنهار . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان )) [ رواه أحمد والطبراني ] 0فالصيام يشفع لمن منعه الطعام و الشهوات المحرمة كلها / سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام ، والشراب ، والنكاح ومقدماتها ، أو لايختص به كشهوة فضول الكلام المحرم ، والنظر المحرم ، والسماع المحرم ، والكسب المحرم ، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ، ويقول : يارب ، منعته شهواته ، فشفعني فيه . فهذا لمن حفظ صيامه ، ومنعه من شهواته . فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير ـأن يضرب به وجه صاحبه ؛ ويقول له : ضيعك الله كما ضيعتني 0وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل ، فإن من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم رجلاً ، فقال : (( ذاك لا يتوسد القرآن )) [ رواه أحمد ] 0 يعني : لا ينام عليه فيصير له كالوسادة 0ما يعرف به قارئ القرآنقال ابن مسعود : ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون ، وبنهاره إذا الناس يفطرون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون0وقال محمد بن كعب : كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه 0 يشير إلى سهره وطول تهجده 0وأنشد ذو النون :منـع القرآن بوعده ووعيده مقل العيـون بليلها لا تهجعفهموا عن الملك العظيم كلامه فهما تذل له الرقاب و تخضعفأما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار ، فإنه ينتصب القرآن له خصماً ، يطالبه بحقوقه التي ضيعها . وخرج الإمام أحمد من حديث سمرة : (( أن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى في منامه رجلاً مستلقياً على قفاه ، ورجل قائم بيده فهر أو صخرة ، فيشدخ به رأسه ، فيتدهده الحجر ، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان ، فيصنع به مثل ذلك ، فسأل عنه ، فقيل له : هذا رجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار ، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة )) 0ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره ، فيتمثل خصماً دونه ، فيقول : يارب ، حملته إياي فخير حامل ؛ حفظ حدودي ، وعمل بفرائضي ، واجتنب معصيتي ، واتبع طاعتي 0 فلا يزال يقذف له بالحجج حتى يقال : شأنك به ، فيأخذ بيده ، فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ، ويعقد عليه تاج الملك ، ويسقيه كأس الخمر 0يا من ضيع عمره في غير الطاعة ! يا من فرط في شهره ، بل في دهره وأضاعه! يا من بضاعته التسويف والتفريط ، وبئست البضاعة ! يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان ، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟! 0عباد الله : أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة ، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة ، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار ؟ أفما لنا فيهم أسوة ؟!يا نفس فاز الصالحـون بالتقى وأبصروا الحق وقلبي قـد عمىيا حسنهم و الليـل قد جنهم و نورهم يفوق نور الأنجــمترنمو بالــــذكر في ليلهم فعيشهم قد طـــاب بالترنمويحك يا نفس ألا تيـــقظ ينفع قبل أن تزل قـــدميمضى الزمان في توان و هـوى فاستدركي ما قد بقي و اغتنمياللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك ، وصل الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

تعليم القرآن من التبرك إلى التحرك

من كتاب : عبدالله الحامد بتصرف :
يقول الشيخ "محمد الغزالي" - رحمه الله-: المسلمون كانوا يقرأون القرآن فيرتفعون إلى مستواه، أما نحن فنشده إلى مستوانا وفي هذا الإطار يأتي كتاب "تعليم القرآن الكريم" لمؤلفه "أبو بلال عبد الله الحامد"، كمحاولة للارتفاع إلى مستوى هذا الكتاب الحكيم، وإذا كان اسم الكتاب قد لا يُغري البعض بالإقبال عليه؛ ظنًّا أن الكاتب سيعالج الموضوع بطريقة تقليدية غير عصرية، فإن مطالعة فهرست الكتاب، وعناوين مقالاته الـ(28)، والطريقة غير التقليدية التي تناول بها الكاتب الموضوع، ستدفع حتما إلى قراءة الكتاب، والتوقف كثيرًا عند معانيه، ومقاصده.
خاصة وأن القرآن الكريم لا يأخذ مكانه المطلوب في حياتنا، سواء على المستوى العام أم حتى على المستوى الخاص، حتى من بعض المتصدرين للعمل الدعوى والإسلامي، أما جمهور المسلمين، فلك أن تتحدث عن موقع الكتاب الحكيم في حياتهم ولا حرج، حيث صار القرآن كتابًا للتبرك، أو علاج السحر ومس الشيطان، وليس كتابًا للعمل، والتطبيق في الحياة .
وإذا كان الشيخ حسن البنا - رحمه الله- قد تحدث عن عدم تفاعلنا مع القرآن الكريم، بأننا وضعنا مادة عازلة بيننا وبين القرآن، حالت دون انتفاعنا به، مثلما حدث مع تغطية أسلاك الكهرباء بمادة من البلاستيك، حالت دون تأثر الناس بقوة التيار الكهربي رغم مروره في الأسلاك، مما أفقد الكهرباء قوتها التأثيرية .
ومن ثم؛ فإننا إذا أردنا أن نشعر بالقرآن الكريم فمن الضروري أن نُزيل هذه المادة الكئيبة، التي تمنع وصول نور الوحي إلى قلوبنا ومجتمعاتنا، وأن يكون تعاطينا للقرآن مثل تعاطي الصحابة الأوائل الذين كانوا يقرأون القرآن للعمل، وليس للتبرك فقط .
في بداية الكتاب أشار "أبو بلال" إلى أن الحضارة الإسلامية التي انطلقت من القرآن الكريم، استطاعت أن تفتح في ثمانين عامًا ما لم تستطع روما أن تفتحه في خمسمائة عام؛ لأن المسلمين الفاتحين حلَّقوا بجناحي العدل والحرية معًا، فانجذبت لهم الشعوب المقهورة، وكان ذلك دليلا قويًّا على أن عقيدة التوحيد تحقق سعادة الدنيا والآخرة معًا .
وهنا يطرح سؤالا ضروريًّا، هو أين تكمن المشكلة في تعاملنا مع القرآن الكريم؟، وهل المشكلة في المنهج النظري؟، أم إن الخلل في طريقة التعليم؟.
ويؤكد الكاتب أن القرآن هو المُولِّد الحقيقي الذي أنتج الأمة الإسلامية، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأن "محمدًا" - صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث إلا رحمةً للعالمين، ومن ثم فإن الخلل يبقى في طريقة التشغيل، أي في طريقة فهم القرآن، أو في طريقة تعليم القرآن، وهذه الطريقة السائدة لا تخلو من ثلاثة احتمالات: إما أن تكون ساهمت في السقوط الحضاري، وإما أنها هادنته، وإما أنها لم تقدم الحلول الكافية.
وبدأ بنقطة محورية هامة؛ وهي: أن منهاج تعليم القرآن الكريم، لن يكون قرآنيًّا حتى يستوعب شطري العقيدة، وهما:(أ) إقامة التوحيد وشئون المناسك.(ب) إقامة الدولة الشورية العادلة .
ومن هنا، فإن تهميش شئون المعاش والمدنية والحضارة، هو في حقيقته إخلال بشطر الدين، إذ لا يمكن الوصول إلى "دار المقر" بدون تعبيد " الممر"، وهي الدنيا، فهناك وحدة بين النجاح في الدنيا والنجاح في الآخرة، والحديث الشريف يقول: "إذا قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فليغرسها"، وهذا رغم التيقن من نهاية الدنيا.
العقلانية فريضة معطلة
"أشار "أبو بلال" إلى أن المعجزة الكبرى للقرآن تكمن في أن وظيفته أنه مولد للطاقة البشرية؛ ينتج الحضارة المادية والمعنوية معا؛ إذ يمتلك النص القرآني قدرة فائقة على تغيير القيم، وإحداث الانقلاب الشامل بها، ولم تتوفر هذه السمة لكتاب آخر، فهو أعظم كتاب غير العقل البشري، ولا يزال يمتلك هذه القدرة؛ كما يقول الشيخ "محمود الصواف": "أن تغيير العقول والأفهام أبلغ في الإعجاز،.. فإن إحياء أمة من الجهل والرذيلة والشرك والكفر، إلى أمة هادية مهدية، فاتحة منتصرة ورائدة وعادلة.. هو المعجزة الخارقة؛ التي تتضاءل في جوانبها جميع المعجزات والخوارق".
لقد كان القرآن الكريم هو حادي الجيل المؤسس في الإسلام، وما تلاه من أهل القرون المفضلة، فكان القرآن خلقهم وسلوكهم، فانتفعوا بقوى الكون، وفهموا أن القرآن أُنزل لتحرير الإنسان من كافة القيود التي تخل بكرامته وعقله وإنسانيته، كذلك فإن القرآن حمل خطابًا تنويريًّا للعقل والوجدان والسلوك؛ فأنتج الإبداع والفعالية، كذلك فإن القرآن الكريم ركز على الهدف من القراءة، وهو ألا يظل التفكير فريضة معطلة، وبالتالي فالمسألة ليست حفظًا وتكرارًا، ولكنها إعمال للعقل؛ لأن العقل هو آلة اكتشاف المنهج، وبه يفهم الكتاب العزيز، ومن هنا فكيف يتصور البعض أن العقل ضد النقل؛ لأن طرح هذا السؤال يكشف عن أزمة معرفية عميقة.
القرآن والسمو المدني
القرآن خطاب لبناء المدنية الشورية العادلة، وسعادة الدارين، وإن منهاج التعليم عندما يُبنى على الوحدة العضوية الشاملة للثقافة القرآنية، يصحح المفهوم الغائم الناقص للدين؛ الذي تقصره المجتمعات الإسلامية على المناسك والشعائر، وهو ما يمكن أن نسميه (الإيمان الرهباني)، فالإيمان الذي لم ينتج المعاصرة والتجديد، أدى إلى هزيمة أمام العلمانية؛ لأن هذا الخطاب الديني انكمش، وحصَر الدين في الشعائر، ومن ثم وهب العلمانية زمام الحداثة والتجديد، وتحول دوره من الفعل إلى رد الفعل، ومن رد الفعل العقلاني الموضوعي إلى رد الفعل العاطفي الهائج.
كما أن (الإيمان الرهباني) لم ينتج العدل والنظام والمدنية، ومن هنا فإننا إذا لم نفهم أن الثقافة القرآنية، منارة مسجد إلى جارها مدخنة مصنع، وإذا لم نفهم العبادة على أنها إقامة القسط والعدل، وتشييد الحضارة والعمران، كما أنها الصلاة في المسجد سواء بسواء؛ فنحن في واد، والثقافة القرآنية في واد آخر، فالصيدلية الإسلامية القرآنية، فيها علاج لكل داء، لكن المشكلة في توافر الفقهاء الأطباء.
القرآن والسمو الروحي
القرآن الكريم رسالة تذكر المتلقي بوجباته، وتطلب منه أمورًا محددة، تذكرة لا تحتاج إلى شروح كبيرة، ولا علم كالمحيط، إنما تحتاج إلى ذهن عملي وبسيط، "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" (القمر: 17)، قرن القرآن الكريم التذكير بالمسؤولية، ومن هنا يأتي الربط بين العلم والسلوك، وبين النظرية والتطبيق، وعندما يحسن المتلقي التقاط الإشارة يستوعب الرسالة، فتشحن طاقاته، ويصل إلى مرحلة الهداية.
وقد عقل الصحابة والتابعون وظيفة القرآن، ففهموه فهمًا حضاريًّا، فجسدوه توحيدًا ومناسك ومجتمعًا متماسكًا، وأدركوا أن العقيدة هي التوازن بين شطرين: المناسك والمعائش، وأدركوا أن الدين يأمر بأن يكون معيار الحكم على العمل، ولا سيما في مجال المعايش، وهو مستوى الجودة، لا مقدار النية فحسب، وذلك مصداقًا لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه".
كان الرعيل الأول يربط بين وحدات القراءة الثلاث: وحدة الطلاقة اللغوية، ووحدة الفهم الشامل، ثم يربطها بوحدة العمل الشامل، ولذا كان هناك الربط بين القراءة والموقف؛ فالقرآن شاهد للقارئ أو عليه، أما نحن فحفظنا فضل القرآن الكريم، وفصمنا الهدف عن الوسيلة، وغفلنا عن أن القرآن لا يزيد الظالمين إلا خسارًا.
للتبرك أم التحرك؟
كان الصحابة يفهمون أن قراءة القرآن هي للتحرك والعمل، وأدركوا أن فهم المقروء هـو أساس تحويل الاستيعاب الذهني إلى تطبيق، أما القراءة السيئة ففرقت بين اللفظ القرآني، وفحواه، ووظائفه ومقاصده، وكان بعض السلف الصالح يقول: "إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهم؛ بكيتُ على نفسي؛ لأن الله تعالى قال: "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" (العنكبوت: 43).
لذا فرق الأوائل بين العلم والروح العلمية، وذكر "أبو حامد الغزالي": أن الصحابة كانوا يعتبرون من يحفظ ويفهم الأجزاء المحدودة من القرآن من العلماء.
ونظر السلف الصالح من الصحابة إلى القرآن على أنه ميثاق غليظ، يتقدمون إليه بوجل وإدراك، حيث تكررت عبارة" الميثاق الغليظ" في القرآن عشر مرات، فهو عقد بين الله تعالى والقارئ مثقل بالتبعات، وأمانة عجزت الجبال عن حملها؛ لـــذا كانت صورة الحمار الذي يحمل أسفارًا ماثلة في أذهان الصحابة وهم يتعاطون مع القرآن، وهي صورة تكشف عن العالِم الذي لا يستفيد بعلمه، كما كانت صورة "بلعام" الذي رسب في امتحان السلوك، فحفظ الآيات، ثم انسلخ عنها.
وأدرك الصحابة أن قراءة الكتاب حق تلاوته، هو القيام بالعمل الذي يدل على الهداية، وينبثق من التدبر، وليس حق التلاوة هو إجادة الحروف ومعرفة الوقوف
حفظ الصوت أم حفظ السلوك؟
واللهِ ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية أن لا أقوم بها "، هكذا قال أحد الصحابة، وهذا القول يطرح سؤالا ضروريًّا؛ من هو حافظ القرآن الحقيقي؟.
إن نموذج سالم مولى أبي حذيفة، ومشاركته في معركة اليمامة، هو نموذج حي لحافظ القرآن، يقول الشيخ الغزالي: "يُخيل إليَّ أن بعض الكتاتيب أساءت إلى القرآن، من حيث تريد الإحسان، من ناحية أنها أخرجت أشرطة مسجلة ولم تخرج نماذج حية"، فمقاصد الدين القطعية ترفض حفظ القرآن بدون فهم؛ لأن هذا الحفظ غير الواعي، يُرسخ أخطاءً ثقافية.
خشوع العقلانية وخشوع الدروشة
كان بكاء الصحابة مع القرآن الكريم بكـــاء وعي يسمو بهم، بكاء من يستشعر التبعية، بكاءً فعالا ينهض بالسلوك، بكاءً يزيد في الخشوع فيظهر في الجوارح، فلم يكن بكاءً شكليًّا، ولم يكن بكاء محاكاة، يقول الشيخ "الصواف": "فليس البكاء مجرد أنين وحنين ونشيج.. بل عملية تطهير وجدانية، تبدأ بإثارة الذهن، وتنتهي بإثارة الحواس".
وهو عملية حفر في بئر الوجدان؛ لاستخراج الماء، بكاء يهب الطمأنينة النفسية التي تبعث الهمة "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " (الرعد: 28)، ولذا كان أحد الصحابة يستعيذ بالله من "خشوع النفاق"، فلما سُئل عنه، قال: "أن يكون الجسد خاشعًا ،والقلب غير خاشع"ولكن ما هو الخشوع المطلوب مع القرآن الكريم؟
حيث يظن البعض أن الخشوع المطلوب أن يكون القرآن مخدرًا يسلب الناس عقولهم، وهو فهم مخالف للإسلام، تقول عائشة رضي الله عنها: "القرآن أكرم من أن يُزيل عقول الرجال"، فكيف يسلب العقول، وقد أنزله الله تعالى "لعلهم يعقلون"، ومن هنا فالخشوع ليس غيبوبة، إنما هو صفاء نفسي، ومن أجل ذلك ينبغي أن نعقل جيدًا "أن القرآن ليس نصًّا جنائزيًّا"، وهذا يتطلب أن تتجدد قراءة القرآن بتجديد فهمه.
أين الخـلل؟
وما دامت تلك هي روح القرآن فلماذا تأخر المسلمون؟، وما سبب الأزمة التي يعيشها المسلمون في واقعهم الحالي؟
وإجابة هذا السؤال تقتضي الاعتراف بأننا نعيش أزمة في تعاملنا مع القرآن؛ لغياب مقاصده عن الإدراك، وبالتالي فهناك معضلة في طريقة تعليم القرآن.وما دام الحال كذلك؛ فإن ثقافة الأسئلة لا بد أن تهدي إلى الأجوبة، فنبحث في سلامة مناهج التعلم، ومدى دقتها في فهم نصوص الكتاب والسنة، وأن نتعود على الاستماع إلى الآراء التي تخالف ما ألفناه، ونبتعد عن منح آراء العلماء السابقين قداسة تغلق أبواب النقاش؛ لأن نظام التعليم مسئول عن بعض هذا المأزق الذي وصلت إليه الأمة المسلمة.
ويؤكد الكاتب أن هناك قراءة منتجة وقراءة معطلة للقرآن الكريم، ويرجع السبب إلى خلل في الإدراك في الربط بين الجهد والجدوى، واعتبر ذلك سوء في فهم الدين؛ لأن ما يتعلق بأمور الدنيا يجب الربط فيه بين المقاصد والنتائج معًا، والنية بالنتيجة، والجهد بالجدوى، وصلاح النيات وصلاح الأعمال؛ ولهذا جاء الدعاء النبوي: "اللهم اجعل عملي صالحًا، ولوجهك خالصًا" لم أعثر له على تخريج.
وطرح الكاتب سؤالا قد لا يتفق البعض معه، وهو لماذا لم ينشئ الصحابة مدارس لتحفيظ القرآن الكريم؟، ورغم أن "أبو بلال" طرح معالجة لهذا السؤال، تبدو منطقية؛ فإن رأيه في هذا الشأن يجب ألا يؤخذ على إطلاقه؛ لأن إنشاء هذه المدارس ارتبط بظروف تاريخية معينة، وكان من الواجب على الأجيال اللاحقة أن تطورها، لا أن تعتبرها هياكل مقدسة.
ومن ثم فإن الخطأ لا يقع على هذه المدارس والدور الذي لعبته، وإنما يقع على حالة الجمود التي أصابت العقل المسلم، ويدخل في هذا الإطار أيضًا مسألة مفهوم "حفظ القرآن الكريم"، والموقف في التعامل مع القرآن بين الحفظ والفهم، والاستمتاع بالصوت، والتدبر في المعاني، ومسألة تعليم الأطفال للقرآن الكريم، هل هي تخزين معلومات؟، أم تكوين مهارات، والمساوئ التي أنتجتها الطريقة غير الصحيحة لتعليم الأطفال القرآن الكريم.
أين الطريق؟
طرح الكاتب في مقالاته العشرين السابقة إشكاليات كبيرة، حاول إيجاد حلول لبعضها في المقالات الثمانية المتبقية، ومنها كيف نعلم أطفالنا القرآن؟، ودعا إلى الربط بين استثمار الذاكرة واستثمار الذكاء في تعليم القرآن، ودعا إلى التخلص من طريقة الحفظ دون الفهم للقرآن، وإلى تأخير دروس حفظ القرآن للأطفال، مع تقديم دروس القراءة واللغة والحساب؛ لأن ذلك يؤدي إلى التركيز على وظيفة القرآن، مع تبني التدرج في التعليم الديني ..
فمنهج الصحابة كان قلة في القرَّاء وكثرة في الفقهاء، مع ملاحظة أن بعض آراء المفسرين انقلبت من أن تكون توضيحًا لبعض المعاني؛ إلى أن يظن البعض أنها متن مقدس .
والواقع أن الكتاب مزدحم بالأفكار والرؤى، التي تحتاج أن تكون مادة جيدة لنقاشات؛ للخروج بمنهج متميز لتعليم القرآن الكريم، حتى لا يكون هذا الكتاب الحكيم مهجورًا في حياتنا، بدءًا من الحكم، وانتهاء بالسلوك والصدور .
جمع المادة / شعبان شحاته

السبت، 29 مايو 2010

سورة البقرة

( من ثمرات التلاوة ) سورة البقرة :
تعرض السورة الكريمة ثلاثة أصناف من الناس في الربع الأول منها : المؤمنون المتقون ، والكفار والمنافقون .
وأدعوك أن تتملى صفات المؤمنين وتقارن بينها وبين صفات الكافرين والمنافقين لتعود شاكرا لله على نعمة الإسلام والإيمان .
وأظهر صفتين هما : الإيمان بالغيب ، والإيمان بما أنزل إلى كل الرسل .
ثم لا يكا د هذا الربع ينتهي حتي ينادي القرآن الحكيم الناس كافة أن يكونوا في صف المؤمنين ويعبدوا الله وحده.
وهذا التكليف له أسباب فالله عز وجل هو الذي خلقهم وخلق من قبلهم ، كما أن عبادة الله ستعود عليهم بالتقوى وتهذيب الشعور وتحسين السلوك .
وإنها لفائدة ضخمة أن يعيش الإنسان حياة كريمة في ظل منهج الله عز وجل ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) .
ثم تأتي قصة الاستخلاف : استخلاف آدم وذريته في الأرض .
ونوع آخر من الاستخلاف على العقيدة والقوامة على الدين مع إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب .
واستخلاف بني إسرائيل .
وكان التفضيل والتكريم لآدم عليه السلام وذريته ممثلا في :
1 – هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا .
2 – استخلافه في الأرض .
3 – أمر الله الملائكة أن يسجدوا له .
4 - تعليمه الأسماء كلها .
5 – تلقى من ربه كلمات فتاب عليه .
ولكي يظل التكريم ويظل الاستخلاف ، يجب عليه تجاه ذلك :
§ العلم .
§ العبادة . ( والعلم لعمارة الأرض في كل مجالات الحياة المختلفة ، والعلم والعبادة لعمارة الأرض بالطاعة الخالصة لله رب العالمين ) .
§ التوبة من المعاصي والرجوع إلى الله .
§ إن شجرة الحرام هذه هي الحدود الممنوع الاقتراب منها ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) البقرة187 .
§ فالمطلوب إذن من آدم وذريته أن يتوبوا إلى الله وينكسروا بين يديه في عبودية تامة ، كلما طالت أيديهم شجرة الحرام .
§ فليست العبودية الامتناع عن الحرام بالكلية ؛ لأن ذلك ليس في مقدور المكلفين ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) حديث حسن خرجه السيوطي وصححه الألباني .
§ ولكن أعبد الناس هو الذي يخطئ فيتوب ويعود نادمًا أسيفا .
والسورة الكريمة تعرض استخلاف إبراهيم , وإسماعيل ،وإسحق و ويعقوب وبنيه . وكيف نجحوا في هذه المهمة .
فإبراهيم ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن : بإبعاد ولده وزوجه إلى أرض لا نبات فيها ولا ماء ، و بذبح ولده ، وبالإلقاء في النار .
وإسماعيل يصبر لأمر ربه وهو بعد غلام .
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }البقرة132 .
ويعقوب لا يموت حتى يطمئن على بقاء أولاده على عبادة الله واستمرار رسالة التوحيد من بعده .
ثم تعرض صورة استخلاف بني إسرائيل وتفضيل الله لهم على العالمين في عصرهم وبينت كيف ضلوا وأساءوا
وسردت السورة الكريمة صورا من معاصيهم وسيئاتهم لكي تتجنبها أمة الإسلام .
فذكرت أنهم :
يكفرون بآيات الله .
يقتلون الأنبياء بغير الحق .
قالوا سمعنا وعصينا .
وعبدوا العجل من دون الله .
قالوا راعنا .
سوء الأدب في قصة البقرة .
قالوا أرنا الله جهرة .
قالوا حنطة .
عبدوا العجل من دون الله .
وغير ذلك مما سجل عليهم القرآن الكريم في أكثر من موضع .
ثم يأتي التكريم الكبير لاختيار أمة الإسلام لتكون قيمة على الدين وعلى المقدسات .
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ...) .
وقد ميز الله تعالى هذه الأمة بقبلتها ووسطيتها ، وكونها آخر أمة أخرجت للناس .
ثم بين الله عز وجل للأمة المختارة تفاصيل شريعتها من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وأحكام الأسرة من زواج وطلاق ومتعة ونفقة ، والمعاملات الجائزة والمحرمة كالبيع والرهن والوصية ، والربا .
وإذا كانت التكاليف شاقة على الأمة ؛ فعليها أن تستعين بربها الذي يعلمها هذا الدعاء العظيم :
{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286.
ولا يعقل أن يأمرنا الله تعالى بالدعاء ثم لا يستجيب .
عن بن عباس قال لما نزلت هذه الآية " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال قد فعلت " ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا " قال قد فعلت " واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا " قال قد فعلت . ( صحيح مسلم ) .
وإن العبد ليعجب من كرم ربه سبحانه وتعالى ، يحدد لنا الدعاء لندعوه به ـ فإذا دعوناه قال قد فعلت وفي رواية ( قال نعم ) .
وورد في فضل هاتين الآيتين أيضا :
عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه" المسند .
عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطهن نبي قبلي" المسند .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " ما أرى أحدا يعقل بلغه الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة فإنها من كنز تحت العرش" .
وورد في فضل آية الكرسي أنها أعظم آية في كتاب الله (عن ابن جريج أخبرني عمر بن عطاء أن مولى ابن الأسفع (3) -رجل صدق-أخبره عن الأسفع (4) البكري: أنه سمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ } حتى انقضت الآية. (5) . المعجم الكبير .
كما ورد في فضل سورة البقرة :
أنها بركة وأنها تطرد الشيطان :- عن أبي أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " . رواه مسلم . . - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة " . رواه مسلم .
والحمد لله أولا وآخرا .

الثلاثاء، 11 مايو 2010

لا تلوث عزمك

( حديث إلى النفس ) .. . لا تلوث عزمك ... أرجوك
لا تبحث عن الشهرة والصيت .
لا تعجب بعملك .
لا تدعُ الناس إليك .
لا تحدثهم عن أعمالك ، عن أولادك ، عن مالك ، عن شهاداتك .
كن قويا عندما تدعوك نفسك إلى حب الرياء و المن .
لا تضعف أمام الباطل ، وقف له بالمرصاد بالوسائل المشروعة .
لا تكبر الدينا في عينيك ، ولا تضخمها في ناظريك .
لا تأكل حراما .
تنزه عن الشبهات .
ادع الناس إلى الله واعمل على إنقاذهم من أنفسهم ومن الطغاة والظالمين .
خذ بأيديهم من هذه الحياة السائبة ، واربطهم بالأهداف السامية التي فيها عزهم في الدنيا والآخرة .
حصن أفكارهم ومشاعرهم .
انتشلهم من الجبن والوضاعة ، وأقمهم على طريق العزة والكرامة .
ولا ترج منهم شيئا .
اربطهم بقرآن ربهم وسنة نبيهم وسيرة السلف الصالح ؛ فهذا هو الطريق المعبد الذي يوصل إلى الهدف المقصود .
اعمل على توحيد مصدر ثقافتهم حتى يسلم بناؤهم ويصلب عودهم ؛ ليحملوا منهج ربهم للعالمين ، غير عابئين بما يكلفهم من تضحيات ، وغير هيابين من البشر ، متوكلين على ربهم وحده سبحانه وتعالى .
إن تقوية الإيمان في القلوب هي الضمان الوحيد لإنقاذ الناس من ضعف نفوسهم أمام الشهوات ، وعجزها تجاه الباطل ، وصمتها أمام الطغيان
.
لا تصرف وقتك في غير مهمتك ، ولا تنفق جهدك في غير وظيفتك ، ولا تلتفت عن وجهتك .
اجعل غايتك في الحياة أن تعرف الناس بربهم ، وتحببهم إليه .
وجه الناس إلى رعاية الجسد في محيطه الطبيعي ، والروح إلى أفقه المطلوب .
اجعل حياتك وحياة الناس تحت إمرة القلوب ، لا تحت إمرة الأهواء .
ستهون عليك الدنيا بما فيها إذا ذقت لحظات القرب من الله ، لن تجد الدنيا مكانا في قلبك إذا أحببت جوار الله في الجنة ، حيث الخلود الأبدي والنعيم السرمدي ، سيكون شوقك إلى الله أعظم من شوقك إلى كل متاع الدنيا المنغص الفاني .
حلق في سماء القرآن ، واغترف من معينه الذي لاينضب .
تقرب بالفرائض ، وتحبب بالسنن الرواتب ، واسعد بقيام الليل بين يدي ربك والناس نيام ، وعالج أخطاءك واستغفر بالأسحار ، واطلب من ربك أن يرزقك حبه وينعم عليك بقربه ولا تفتر عن ذلك حتى يبزغ الفجر الموعود والقرآن المشهود .
عطر لسانك بالذكر قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ، وكل حين .
ارض عن ربك ، واقنع بما قسم لك ، ولا تعترض ولا تحسد واسأل الله من فضله.
قل : اللهم إنا نسألك عيشة هنية وميتة سوية ومردا غير مخز ولا فاضح . اللهم لا تمتنا وعلينا حق لأحد من عبادك .
اللهم لا سعادة إلا في ظل شريعة الإسلام ، اللهم حكم شرعك وكتابك وسنة نبيك ، وانصر عبادك الصالحين .
آمين .

التواضع والخمول ( الدورة النفسية )

الدرس الثالث و الرابع
حدثنا أبو بكر بن سهل التميمي حدثنا بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد عن عياش بن عباس عن عيسى بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه دخل المسجد فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك يا معاذ قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اليسير من الرياء شرك وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرار الذين إذا غابوا لم يفقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة
[ 11 ] حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن عون عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن مسعود قال كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض
[ 12 ] حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي خالد قال قال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلوا الله رزق يوم بيوم وعدوا أنفسكم مع الموتى ولا يضركم ألا يكثر لكم
[ 13 ] حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله إن أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع فمن صبر على ذلك قال ثم نقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه
[ 14 ] حدثنا إسحاق حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير قال قال عبد الله بن مسعود كونوا ينابيع العلم جدد القلوب خلقان الثياب سرج الليل كي تعرفوا في أهل السماء وتخفوا في أهل الأرض
[ 15 ] حدثنا محمد بن علي بن الحسن حدثنا عبد الرحمن بن علقمة حدثنا حزم قال سمعت معاوية بن قرة يقول قال كعب طوبى لهم وطوبى لهم قيل ومن هم يا أبا إسحاق قال طوبى لهم قوم أن شهدوا لم يدخلوا وإن خطبوا لم ينكحوا وإن قاموا لم يفقدوا
[ 16 ] حدثنا محمد بن علي قال سمعت أبي أنبأنا محمد بن مسلم الطائفي حدثنا عثمان بن عبد الله بن أوس عن سليم بن هرمز عن عبد الله بن عمرو قال أحب عباد الله إلى الله الغرباء قيل ومن الغرباء قال الفرارون بدينهم يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم عليه السلام
حدثنا محمد بن علي بن شقيق حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل يقول بلغني أن الله تعالى يقول للعبد في بعض منته التي من بها عليه ألم أنعم عليك ألم أعطك ألم أسترك ألم ألم ألم أخمد ذكرك قال وسمعته يقول إن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك ألا تعرف وما عليك ألا يثنى عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله عز وجل
[ 18 ] حدثني عبد الله بن وضاح حدثني يحيى بن يمان عن عبد الواحد بن موسى قال سمعت بن محيريز يقول اللهم إني أسألك ذكرا خاملا
[ 19 ] حدثني محمد بن الحسين حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا يحيى بن أبي عمرو السيباني قال حدثني من سمع كعبا يقول إني لأجد في كتاب الله عز وجل صفة قوم ما رأيتهم بعد شعثة رؤوسهم دنسة ثيابهم إن خطبوا النساء لم ينكحوا وإن حضروا السدد لم يؤذن لهم حاجة أحدهم تجلجل في صدره لو قسم نوره يوم القيامة على الخلائق لوسعهم
[ 20 ] حدثني أبو بكر بن أبي النضر حدثنا مؤمل عن سفيان قال كان رجل من الأنصار يقول اللهم ذكرا خاملا لي ولبني ولا تنقصنا ذاك عندك شيئا
[ 21 ] حدثني الطيب بن إسماعيل قال كان من دعاء الخليل بن أحمد اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني في نفسي من أوضع خلقك واجعلني عند الناس من أوسط خلقك
[ 22 ] حدثنا أحمد بن إبراهيم وغيره عن خلف بن تميم قال سمعت سفيان الثوري يقول وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب بتوت وعناء
[ 23 ] حدثنا سلمة بن شبيب الكلابي عن عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا جعفر بن سليمان ما أحب أن يعرفني بطاعته غيره حدثنا قال قال مورق العجلي
[ 24 ] حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني سلمة بن عقار أو غيره قال لما قدم بن المبارك المصيصة سأل عن محمد بن يوسف الأصبهاني فقال من فضلك لا تعرف
[ 27 ] وبه حدثنا يحيى بن سليم قال سمعت شبل بن عباد قال سمعت أبا الطفيل قال سمعت علي بن أبي طالب يقول أظلتكم فتنة مظلمة عمياء متسكنة لا ينجو منها إلا النومة قيل يا أبا الحسن وما النومة قال الذي لا يعرف الناس ما في نفسه
[ 28 ] حدثنا محمد بن الحسين حدثنا أحمد بن سهل الأردني حدثني سلم وكان فاضلا قال قال لي إبراهيم بن أدهم قال ما فزت في الدنيا قط إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام وكان في البطن فجر المؤذن رجلي حتى أخرجني من المسجد
[ 29 ] حدثنا محمد حدثني خلف البرزاني قال سمعت سفيان الثوري يقول أقل معروف الناس يقل عيبك
قلت : لعله يقصد إذا كانت معرفة الناس لك قليلة قل عيبك .
[ 32 ] حدثنا علي بن الجعد أخبرنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب المرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دينه ودنياه ( ضعيف ) .
‏(‏قلب الشيخ شاب على حب اثنين‏)‏‏.‏‏(‏يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان الأمل وحب المال‏)‏ متفق عليه‏.‏
‏(‏لو كان لابن آدم واديان من ذهب‏)‏ إلخ‏.‏ متفق عليه‏.‏
‏يدخل صعاليك المهاجرين قبل أغنيائهم الجنة بخمسمائة عام‏)‏ للترمذي محسنا‏.‏
‏(‏يدخل الأنبياء كلهم قبل داود وسليمان الجنة بأربعين عاما‏)‏ للطبراني‏.‏
‏تحفة المؤمن في الدنيا الموت‏)‏ حسن‏.‏
في المختصر ‏(‏إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين‏)‏ لأبي داود‏.‏
(‏كل نفقة العبد يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين‏)‏ لابن ماجه‏.‏
‏(‏كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حر أو برد‏)‏ حسن‏.‏
[ 34 ] حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن هراسة عن القراة عن شيخ من أحنف قال سمعت عليا يقول تبذل لا تشهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم أكتم واصمت تسلم تسر الأبرار وتغيظ الفجار
[ 35 ] حدثني أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن كردوس حدثنا مخلد بن الحسين عن أبي بكر بن الفضل قال سمعت أيوب يقول ما صدق الله عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه
[ 36 ] وبه حدثنا الحسن بن الربيع حدثني سعيد بن عبد الغفار قال كنت أنا ومحمد بن يوسف الأصبهاني فجاء كتاب محمد بن العلاء بن المسيب من البصرة إلى محمد بن يوسف فقرأه فقال لي محمد بن يوسف ألا ترى إلى ما كتب به محمد بن العلاء وإذا فيه يا أخي من أحب الله أحب أن لا يعرفه الناس
[ 37 ] حدثني أبو بكر الشيباني قال سمعت سفيان بن عيينة يقول قال لي بشر بن منصور أقل من معرفة الناس فإنه أقل لفضيحتك في القيامة
[ 40 ] حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن مغيرة قال قال سماك بن سلمة يا قلب إياك وكثرة الأخلاء
[ 41 ] حدثنا محمد بن علي بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثني شيخ من النخع عن أشياخ له من أصحاب عبد الله بن مسعود كفى به دليلا على امتحان دين الرجل كثرة صديقه
[ 42 ] حدثني سلمة حدثنا سهل بن عاصم حدثنا قبيصة قال سمعت سفيان يقول كثرة الإخوان من سخافة الدين
[ 43 ] حدثني سلمة حدثني سهل قال سمعت سالم بن ميمون سمعت عثمان بن زائدة يقول كان يقال إذا رأيت الرجل كثير الأخلاء فاعلم أنه مخلط
[ 44 ] وبه حدثني علي بن معبد حدثني فضالة بن صيفي قال كتب أبان بن عثمان إلى بعض إخوانه إن أحببت أن يسلم لك دينك فاقل من المعارف
[ 45 ] حدثني عبد الله بن أحمد الخزاعي قال سمعت أبي قال سمعت الحسن بن رشيد يقول سمعت الثوري يقول يا حسن لا تعرفن الى من لا يعرفك وأنكر معرفة من يعرفك
[ 46 ] حدثنا محمد بن عبد المجيد التميمي حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان أنه كان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة
[ 47 ] حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن ليث عن أبي العالية أنه كان إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام
[ 48 ] حدثنا هاشم بن الوليد حدثنا أبو بكر بن عياش قال سألت الأعمش كم رأيت أكثر ما رأيت عند إبراهيم قال أربعة خمسة
[ 49 ] وبه حدثنا أبو بكر قال ما رأيت عند حبيب بن أبي ثابت غلمة ثلاثة قط
[ 51 ] حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان وأبو مسلم قالا حدثنا عبد الله بن إدريس عن هارون بن عنترة عن سليم بن حنظلة قال بينا نحن حول أبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة فقال انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع فقال إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع
[ 52 ] وبه حدثنا حماد بن زيد عن عون عن الحسن قال خرج بن مسعود ذات يوم من منزله فاتبعه الناس فالتفت إليهم فقال علام تتبعوني والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان
[ 53 ] وبه عن يزيد بن حازم قال سمعت الحسن يقول إن خفق النعل خلف الرجل قل ما يلبث قلوب الحمقى
[ 54 ] حدثنا أبو عدنان المقري حدثنا يوسف بن عطية قال خرج الحسن ذات يوم فاتبعه قوم فالتفت إليهم فقال هل لكم من حاجة وإلا فما عسى أن يبقي هذا من قلب المؤمن
[ 55 ] حدثنا سبلان حدثنا ضمرة قال حدثني عمير بن عبد الملك الكناني أن رجلا صحب بن محيريز في سفر فلما أراد أن يفارقه قال أوصني قال إن استطعت أن لا تعرف ولا تعرف وتمشي ولا يمشي إليك وتسأل ولا تسأل فافعل
[ 56 ] حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا وهيب بن خالد حدثنا الجريري قال قال لي أيوب يا أبا مسعود إني أخاف ألا تكون المعرفة أبقت عند الله حسنة إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم وما أرى أن فيهم أحدا يعرفني فيردون علي ويسألوني مسألة كأن كلهم قد عرفوني
[ 57 ] حدثنا أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد قال أيوب إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم فيردون علي يعني في ردهم أنهم قد عرفوني فأي خير مع هذا
[ 58 ] حدثنا أحمد حدثنا أبو داود عن حماد بن زيد قال كنا إذا مررنا بالمجلس ومعنا أيوب فسلم ردوا ردا شديدا قال فكأن ذلك نقمة قال أبو داود كراهة الشهرة
[ 59 ] وبه حدثنا أحمد بن شجاع حدثنا النضر بن شميل عن رجل قد سماه قال خرج أيوب في سفر فتبعه ناس كثير فقال لولا أني أعلم أن الله عز وجل يعلم من قلبي أني لهذا كاره لخشيت المقت من الله عز وجل
[ 60 ] وبه حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال دفع إلي أيوب ثوبا فقال اقطعه لي قميصا واجعل فم كمه شبرا واجعله يقع على ظهر القدم
[ 61 ] حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر قال عاتبت أيوب على طول قميصه فقال إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله وهي اليوم في تشميره
[ 62 ] حدثنا محمد بن سلام الجمحي حدثنا عدي بن الفضل قال قال لي أيوب احذ نعلين على نحو حذو نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففعلت فلبسها أياما ثم تركها فقلت له في ذلك فقال لم أر الناس يلبسونها
[ 63 ] حدثنا علي بن الجعد أخبرنا قيس بن الربيع عن منصور عن إبراهيم قال لا تلبس من الثياب ما يشتهرك الفقهاء ولا يزدريك السفهاء
[ 64 ] حدثنا الحكم بن موسى حدثنا غسان بن عبيد عن سفيان الثوري قال كانوا يكرهون الشهرتين الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه
[ 65 ] حدثنا خالد بن خداش حدثنا حماد بن زيد عن أبي خشينة صاحب الزيادي قال كنا مع أبي قلابة إذ دخل رجل عليه أكسية فقال إياكم وهذا الحمار النهاق
[ 66 ] حدثنا خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد عن رجل عن أبي بكر عن الحسن قال إن أقواما جعلوا الكبر في قلوبهم والتواضع في ثيابهم فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه ما لم تفاقروا
[ 67 ] حدثنا أبو إسحاق إسماعيل بن الحارث حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا بن المبارك حدثنا أبو عوانة عن سليمان الشيباني حدثنا رجل قال رأى بن عمر على ابنه ثوبا قبيحا دونا فقال لا تلبس هذا فإن هذا ثوب شهرة .
[ 68 ] حدثني هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس قال قال رجل مررت ذات يوم بفضيل بن عياض وهو خلف سارية وحده وكان لي صديقا فجئته فسلمت عليه وجلست إليه فقال يا أخي ما أجلسك إلي فقلت وجدتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما إنك لو لم تجلس إلي لكان خيرا لك وخيرا لي فاختر إما أن أقوم عنك فهو والله خير لك وخير لي وإما أن تقوم عني فقلت بل أنا أقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله عز وجل بها قال يا عبد الله أخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله عز وجل لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك
[ 69 ] حدثنا الحسن بن عبيد قال قال رجل لبشر بن الحارث أوصني قال أخمل ذكرك وطيب مطعمك
[ 70 ] حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال كان حوشب يبكي ويقول بلغ اسمي مسجد الجامع .
[ 71 ] وبلغني عن عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم أحسبه قال كنت وأبو إسحاق ذات ليلة عند سفيان وهو مضطجع فرفع رأسه إلي أبي إسحاق فقال إياك والشهرة قال وقال أبو مسهر بينك وبين أن تكون من الهالكين إلا أن تكون من المعروفين
[ 72 ] حدثني الحسن بن عبد الرحمن قال قال بشر بن الحارث رحمه الله لا أعلم رجلا أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح قال وقال بشر بن الحارث لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس
[ 73 ] حدثني محمد بن الحسين حدثني الصلت بن حكيم حدثني عبد الله بن مرزوق قال استشرت سفيان الثوري فقلت أين تراني أنزل قال بمر الظهران حيث لا يعرفك إنسان
باب التواضع
[ 74 ] حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عز وجل عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع عبد لله عز وجل إلا رفعه الله عز وجل
[ 75 ] حدثنا أبو بكر بن سهل التميمي حدثنا بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة يمسكانها فإن هو رفع نفسه جبذاها ثم قالا اللهم ضعه وإن وضع نفسه قالا اللهم ارفعه بها
[ 76 ] حدثنا مهدي بن حفص حدثنا إسماعيل بن عياش عن مطعم بن المقدام الصنعاني عن عنبسة بن سعيد الكلاعي عن نصيح العنسي عن ركب المصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل من غير مسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة
[ 77 ] حدثنا الحسن بن منصور بن سليمان القرشي حدثنا يحيى بن ميمون حدثني أبو سلمة المديني عن أبيه عن جده قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بقباء وكان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن وجعلنا فيه شيئا من عسل فلما رفعه فذاقه وجد حلاوة العسل قال ما هذا قلنا يا رسول الله جعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه فقال أما إني لا أحرمه ومن تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن اقتصد أغناه ومن بذر أفقره الله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله
[ 78 ] حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العدوي حدثنا عبد الله بن إدريس حدثني بن عجلان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال سمعت عمر بن الخطاب يقول في العبد إذا تواضع لله عز وجل رفع الله حكمته وقال انتعش رفعك الله وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض وقال اخسأ خسأك الله فهو في نفسه عظيم وفي أعين الناس حقير حتى أنه عندهم من الخنزير أيها الناس لا تبغضوا الله إلى العباد قيل وكيف ذلك قال يقوم أحدكم إماما فيطول عليهم فيبغض إليهم ما هم فيه

من كتاب التواضع والخمول

الثلاثاء، 27 أبريل 2010

أرواح نذرت أنفسها للحق

محمد فتح الله كولن
إن أهم جانب يستدعي النظر ويجلب التقدير والإعجاب عند الأبطال الذين أحبوا الله تعالى ونذروا حياتهم في سبيل رضاه وارتبطوا بغاية مُثلى هي نيل محبته.. إن أهم جانب لدى هؤلاء الأبطال وأهم مصدر من مصادر قوتهم، هو أنهم لا يبتغون ولا ينتظرون أي أجر مادي أو معنوي. ولن تجد في خططهم وحساباتهم أنهم يعيرون أهمية لأمور يسعى طلاب الدنيا للحصول عليها كالأموال والأرباح والثروة والرفاهية... هذه الأمور لا تشكل عندهم أي قيمة، ولا يقبلون أن تشكل عندهم أي مقياس.إن القيمة الفكرية لهؤلاء الناذرين أرواحهم تعلو على القيم الدنيوية إلى درجة يصعب معها تحويل محور هدفهم المرتبط برضا الله دون أي غرض آخر ودون أي تنازل.
أما ربطهم بهدف بديل فمستحيل.
والحقيقة أن قلب كل منهم قد تعرض لتحول جذري من كل ما هو زائل وفانٍ إلى الباقي أبداً، لذا فلا يمكن قطعاً أن يتغير إلى شيء آخر، ولا أن يصعد إلى مستوى أعلى، لأنه يعلم يقيناً أنه لا يوجد مستوى أعلى من قضيته ومن فكرته... فهو قد نذر نفسه لإرشاد الناس إلى الحق تعالى وتحبيبه إليهم، لتحقيق الحصول على محبته تعالى، وربط حياته لإحياء نفوس الآخرين، ونأى بنفسه عن أي هدف عرضي وزائل، أي قلّص هدفه رافعاً من قيمته، ومخلصاً له من التشتت وموحداً قبلته... نظراً لكل هذا فلن تجد عند أمثال هؤلاء شعارات تفرق ولا تجمع، وتشتت ولا توحد وتقود إلى النزاع من أمثال "هم" و "نحن" أو "أنصارنا" و"أنصارهم". ولا توجد عندهم أي مشكلة ظاهرية أو خفية مع أحد، ليس هذا فحسب، بل تراهم في سعي دائم ليكونوا ذوي فائدة لكل من حولهم، ويُبدون عناية فائقة لعدم إثارة أي مشاكل أو حساسيات في المجتمع الذي يعيشون فيه.
وعندما يرون سلبيات في مجتمعهم فلا يتصرفون كمحاربين غلاظ، بل كمرشدين رحماء يقومون بدعوة الأفراد إلى الأخلاق الفاضلة، ويسعون في هذه السبيل سعيا حثيثا، ويبذلون ما بوسعهم للابتعاد عن فكرة الحصول على نفوذ سياسي أو الوصول إلى مناصب مختلفة مهما كان الثمن وأياً كان الأسلوب.إن أهم ما يميز العمق الداخلي لهؤلاء الناذرين أرواحهم لله هو المعرفة وتقييمها، وأسس أخلاقية قويمة وسيادتها على كل مظاهر الحياة وميادينها، وفضيلة قائمة على الإيمان وعدم الاستغناء عنها. وهم يبدون اهتماماً خاصّاً للابتعاد عن كل شيء لا يفيد مستقبلهم ولا سيما حياتهم الأخروية من دعايات فارغة لجلب شهرة أو صيت أو نفع مادي، ويبذلون كل ما بوسعهم إلى درجة الإرهاق لتوجيه الذين يسيرون وراءهم أو يحترمونهم إلى المعاني الإنسانية السامية بجعل معارفهم وأفكارهم ذات مغزى بالامتثال بها كلٌّ حسب سعة أفقه.
وهم إذ يقومون بهذا لا يبتغون جزاء ولا شكوراً، ويحاولون أن يبتعدوا عن المصالح الشخصية والمنافع ويهربوا منها مثلما يهربون من الأفاعي والعقارب.
وهم يتصرفون هكذا كتحصيل حاصل لعمق غناهم النفسي الذي ينأى بهم عن كل نوع من أنواع الدعاية والضجيج وحب المظاهر، ويملكون من القوة ما يعصمهم عن هذه السفاسف. كما أن تصرفاتهم وسلوكهم النزيه والجميل الذي يعكس صدى أرواحهم يكون له من قوة الجاذبية والتأثير ما يسخر به كل مَنْ يعقل ما حوله فيجعله يسير وراءهم مسرعاً.لذا لا يدور بخلد أي واحد من هؤلاء أن يتكلم عن نفسه أو يتوسل إلى الدعاية لرفع شأنه ولا يظهر أي رغبة أو شهوة في نشر صيته.
وعوضاً عن هذا نراه يحاول بكل جهده ليبلغ مستوى حياة القلب والروح، رابطاً كل فعالياته هذه بالإخلاص ولا يبتغي غير وجه الله تعالى. وبتعبير آخر يهدف كل واحد منهم إلى نيل رضاء الله وحده ويسعى إلى هذا الهدف السامي بكل حوله وقوته، ولا يلوث أحد منهم عزمه الصارم -القريب من عزم الأنبياء- بالأغراض الدنيوية ولا بمحاولة الحصول على الصيت والشهرة بين الناس أو نيل إعجابهم.وبما أن الإيمان والإسلام والقرآن يتعرض اليوم إلى هجوم وانتقادات مباشرة وعلنية، وتثار الشبهات حولهم، كان من الواجب أن تتوجه الجهود جميعها نحو نقاط الهجوم هذه لتحصين الأفكار والمشاعر الإسلامية لدى الأفراد، وإنقاذ الجماهير من حياة سائبة لا هدف لها وربطهم وتوثيق صلتهم بالأفكار والأهداف العالية. ولا يمكن إشباع هذه الحاجة وإنقاذ الأفراد من اللهاث وراء البحث عن أهداف أخرى إلا بتقوية الإيمان في القلوب من جديد بكل ألوانه وزينته وجماله وأسلوب خطابه. وبعبارة أخرى توجيه الإنسان إلى الحياة الروحية والقلبية من جديد. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة، ولا سيما في عهد يرى فيه البعض ضرورة تغيير كل شيء، وتغيير بنية القالب الاجتماعي وتحويلها، ثم صبها في قوالب جديدة؛ لأن أية محاولات من هذا النوع تحمل في طياتها احتمال النزاع والشقاق والاحتكاك والتفرق، بينما لا نجد سوى التفاهم والوفاق والتعاون في أسلوب التوجيه الإيماني.لا تعيش الأرواح التي نذرت نفسها لرضا الحق تعالى أي فراغ في حياتها العقلية والمنطقية نتيجة توحيد قبلتها، بل تراهم منفتحين على الدوام على المنطق وعلى العلم ويعدون هذا من ضرورات الإيمان الحقيقي، مع ملاحظة أن الأهواء الدنيوية لهؤلاء والرغبات الجسدية لهم تذوب في حنايا قربهم من الله وتذوب في أعماق مشاعر وجو التوحيد عندهم الذي يشبه المحيطات في سعتها وأعماقها وأغوارها. لذا تنقلب هذه الرغبات عندهم إلى شكل آخر وإلى صورة أخرى... إلى ذوق روحاني نابع من رضا الله. لذا فإنه في الوقت الذي يتنفس فيه هؤلاء -الذين نذروا أنفسهم للحق تعالى- جواً ملائكياً في ذرى حياتهم الروحية والقلبية تراهم يتعاملون مع أهل الدنيا أيضاً ولا يتأخرون عن استعمال جميع حقوقهم الدنيوية المشروعة. لذا يُعَدّون من جانبٍ أهل دنيا لأنهم يتوسلون بالأسباب ويستعينون بها ويراعونها، ومن جانب آخر يعدون من أهل الآخرة لأنهم يستثمرون كل شيء وكل مسألة من زاوية حياتهم الروحية والقلبية. ولا يعني قيام حياتهم الروحية والقلبية بتحديد حياتهم الدنيوية بدرجة ما أنهم يهملون الحياة الدنيوية ويتركونها تماماً أو ينعزلون عنها تماماً، على العكس فهم يقفون كل حين في وسط الدنيا منخرطين فيها. ولكن موقفهم هذا ليس من أجل الدنيا ولا باسمها، بل باسم الله ورعاية للأسباب ولربط كل شيء بالآخرة.والحقيقة أن هذا هو السبيل الوحيد لإبقاء الجسد في إطاره والروح في أفقه، أو ربط الحياة وجعلها تحت إمرة القلب والروح. فإطار حياة البدن محدود بالمقياس الضيق للجسد، لذا يجب أن يتوجه أفق الحياة الروحية المتطلعة إلى الخلود نحو اللاتناهي على الدوام. وهكذا فإن قام الإنسان -باعتبار هذا المستوى لأفق حياته- بالتعامل مع الأفكار السامية في كل حال من أحواله، ووجّه حياته لواهبها ورأى أن الإحياء أعمق شيء في الحياة، ورنا بنظره نحو الذرى على الدوام تحول -أراد ذلك أم لم يرد- إلى شخص يطبق برمجة سامية. لذا يقوم بلجم أهوائه وبتضييق أذواقه الشخصية ولكن ضمن إطار معين.لا شك أن القيام بتوجيه الحياة وتسييرها وفق هذا العمق ليس أمراً هيناً، ولكن هذه الصعوبة سرعان ما تتحول إلى أمر هين عند من نذر نفسه لله، وجعل غاية حياته تعريف خالقه للناس وتحبيبه إليهم، وتراه يدق بإحدى يديه على أبواب قلوب الناس ويدق بيده الأخرى على باب رحمة الحق تعالى، فهو في حركة دائبة بين هذين الأمرين رامياً هداية الجميع وتوجيههم إلى الباري عز وجل.والحقيقة أن من يشعر بدفء الإيمان بالله تعالى في أعماقه.. ويسعى ليعبر عن هذا بلسان قلبه وجذوة فؤاده خشية منه سبحانه حيناً وحباً له أحياناً أخرى.. مثل هذا الإنسان لن يواجه أي صعوبة في أي أمر، إذ كلما قصر تفكيره ونظره في الله تعالى، وفي البحث عن سبل الوصول إليه، وتقييم كل وسيلة حسب تقريبها وتوصيلها إليه... كلما جعله الحق تعالى محط نظره وعنايته الخاصة موقَّراً ومُحترَماً من قبل الجميع، أي إنه في مقابل وفاء أرضي ضئيل، يكون الوفاء السماوي أضعافاً مضاعفة. وهاكم قطرة واحدة بسعة البحار من هذا الوفاء: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(الأنعام:52). ولم يكن هؤلاء الذين نبه الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعدم طردهم من مجلسه سوى المداومين على حضور مجلسه من الذين نذروا أنفسهم لرضا الله تعالى.وحسب درجة الإخلاص في هذا النذر، وكونه صادراً من صميم القلب نرى عطفاً خاصّاً من الحق تعالى نحوهم، وإسباغ فضل خاص عليهم. أجل!.. بقدر ارتباط المرء بالله تعالى ومحاولة كسب رضاه وجعل هذا الأمر غاية حياته وهدفها يلقى أفضال الله عليه وأنعمه ويكون موضوع حوار في عوالم ما وراء السماوات. كل فكر لمثل هذا الإنسان في الدنيا وكل كلام أو سلوك وتصرف يضمخه الإخلاص ويعطره يتحول في ذلك العالم الآخر إلى جو من النور وإلى صحائف تقدير مبهجة. وهؤلاء السعداء الذين ملأوا أشرعتهم بنسائم هذه السعادة المقدسة يهرولون إليه مسرعين على الدوام فضلاً منه تعالى حسب عمق إخلاصهم، ولا يقف أمامهم أي عائق. والصورة التي يرسمها القرآن لهؤلاء تستحق التأمل: ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(النور:37-38).إن أمثال هؤلاء الأبطال من ذوي الأرواح التي تخلصت من كل أنواع الأسر وألوان القيود، والذين رموا أعباء كل أحزانهم وهمومهم عن أكتافهم بتسليم أنفسهم لله والتوكل عليه، قد وجدوا كل شيء، إذ بجانب الأفضال والهبات التي حصلوا عليها في عالم القلب والروح لا تعني جميع النعم الدنيوية الغالية والأهواء والمباهج إلا كفضلات الطعام والأقداح الفارغة فوق الموائد.. وتجاه لوحات الجمال وصورها التي تزين عوالم قلوبهم لا تعد الدنيا وما فيها إلا خرافة من الخرافات أو أسطورة من الأساطير. وما قيمة شيء يخضر في الربيع ثم يبهت لونه في الخريف..! فإن الأرواح التي تعي هذه الحقيقة وتعايشها على الدوام وترنو ببصرها إلى الخلود والبقاء، ترسم إشارة الضرب على كل شيء لا يحمل صفة الأبدية وتدير ظهرها له، وتسير في طريقها دون الالتفات نحوه... تسير في درب القلب إلى بساتين الأبد وحدائق الخلود، ولا تلوي إلى الدنيا ولا إلى زخارفها.

الأحد، 18 أبريل 2010

من ثمرات التلاوة

سورة الذاريات

من ثمرات التلاوة :سورة الذاريات :الحمد لله رب العالمين منزل الكتاب المبين هدى ورحمة للعالمين والصلاة والسلام على خير داع ٍ إلى الصراط المستقيم وعلى آله وأصحابه أجمعين .تبدأ السورة الكريمة بالتأكيد على حتمية الحساب يوم القيامة ، وعلى وقوع الاختلاف بين الناس في قبول الحق ورفضه وقد وعد الله المؤمنين بالجزاء الكريم وتوعد الكافرين بالعذاب الأليم .وكان القسم هو أداة التوكيد ، والمقسِم هو الله سبحانه وتعالى ، والمقسَم به مختارات مما أبدع الله في هذا الكون المنظور .وآيات السورة تهدف إلى أن يفر الناس إلى الله ربهم فهو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ولا ينبغي أن يعوقهم عن ربهم طلب الرزق فقد تكفل الله بهذه القضية .يفرون إلى الله بالإيمان والتوحيد ، والاستسلام والانقياد ، يفرون إلى الله من إغراء الشهوات ، وتلبيس الشبهات .فلن تجد النفوس راحتها إلا في كنفه ولن تجد سعادتها إلا في رحابه .فليتجه الناس إلى ربهم إيمانا به وليكفروا بما سواه ؛ فهو وحده الخالق الذي يملك الأعمار والأرزاق . وإليه مرجع الناس وحسابهم يوم القيامة . فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه .وتعرض الآيات صفات المتقين ولكنها تعرض الجزاء أولا ، كأن المبادرة بذكر المتقين وطمأنتهم على جزائهم محبب إلى الله الودود :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) .وهذه الصفات تشمل حب الوقوف بين يدي الله والتوبة والاستغفار والتعبد والانكسار والرحمة بعباد الله المحتاجين ومد يد العون للمحرومين .وكأن هاتين الصفتين أصل لكل صفات الخير ، وهي حسن التعامل مع الله وحسن التعامل مع الناس .وتعرض السورة لقضية الرزق :فعرضت في أولها القسم بالرياح والسفن وهي من أسباب الرزق .والرياح أحيانا تذرو فتقطع السحب وتمنع المطر ، وأحيانا تحمل السحب لينزل الغيث حيث يريد الله .وتأتي إشارة أخرى في قوله سبحانه : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ثم يعقب بالقسم توكيدا لهذا الأمر .وإشارة ثالثة بالرزق من نوع آخر وهو الرزق بالولد بعد الشيب والكبر .وإبراهيم عليه السلام لم يبخل بالرزق عن الأضياف .وفي آخر السورة : ( ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) .وتعرض السورة الكريمة لمصارع المكذبين ، ويأتي العرض سريعًا حسبما يقتضيه جو السورة القصيرة .ويأتي أول التكذيب على لسان فرعون ( فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ) مع أنه ليس أسبقهم زمنا ، ولكن السورة ذكرته أول المكذبين .ولعل ذلك لتطاوله الشديد ، وعلو كعبه في التكذيب !وجاء في آخر هذا المقطع :( وكذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) فكانت سمة مشتركة تمليها طبيعة الطغيان ، وتدفعهم إليها صفة العلو والمكابرة في الأرض بغير الحق .تولى بركنه ، معتمدا على جنده وسلاحه يدفعه غروره وعناده ، وليس بمعجز في الأرض .مع أن الله عز وجل أرسل إليه موسى وهارون بالآيات والسلطان المبين .فما كان جوابه إلا أن قال ساحر أو مجنون .فهل استفادوا من الآيات المتتابعة ، والحجج القاطعة التي قرعت قلوبهم وبهرت عقولهم ؟ أم هو العناد والاستكبار ؟ .
وقد جاءتهم تسع آيات بينات ، ولكن ماذا تفيد الآيات للمفسدين في الأرض ، المسرفين في الكفر المتمادين في الطغيان ؟
وقد سجل القرآن عليهم ذلك في سورة القمر ({وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ }القمر42 .وكم من فرعون يتولى بركنه ، ويقول ساحر أو مجنون !
وتتكرر النسخ المتألهة في الأزمان المتعاقبة ولم يقف أحدهم على ما حدث للفراعين السابقين ( أتواصوا به ! ) .(بل هم قوم طاغون ) .والكل يفر ولكنهم فريقان :فالمؤمنون يفرون من الله إليه .والكافرون يفرون من الله إلى غيره ، وهم في النهاية واقعون في قبضته !وتبين الآيات حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية قومه وهو يدعوهم أن يفروا إلى الله ، مع التأكيد بأنه نذير مبين .( فتول عنهم فما أنت بملوم ) فقد أدى الرسول ما عليه : بلغ الرسالة وأدى الأمانة .ولكن التذكير يستمر فإن هذه الذكرى إن لم ينتفع بها أحد فسينتفع بها المؤمنون ، الذين يفرحون بما أنزل الله إليهم مسرورين بمنهج الله الذي أنار حياتهم {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 .{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58.ويأتي بيان الهدف من خلق الثقلين وهو أمر العبادة لله وحده ووجوب إزاحة العقبات من طريق هذا الهدف ، ومنها الانشغال بالرزق عن العبادة .وقد أتت إشارة مماثلة في سورة الجمعة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) .وفي سورة المنافقون : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) .وتختم السورة الكريمة بالوعيد الشديد للذين يصرون على الانحياز إلى طريق الكفر والبوار سواء من قريش ومَن حولَهم أو من بعدهم في الأزمان اللاحقة فسيصيبهم من العذاب كما أصاب الأقوام المذكورة في الآيات السابقة : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) .وقد جاء في أول السورة ( إن ما توعدون لصادق وإن الدين لواقع ) .وختمت بمثل هذه البداية . حيث أكد لهم وقوع العذاب في يومهم الذي يوعدون كما وقع بأمثالهم من الكافرين.والحمد لله أولا وآخرا.

الخميس، 15 أبريل 2010

سورة الصف

سورة الصف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
وبعد ....
تبدأ السورة الكريمة بإعلان هام وهو أن الكون كله دائم التسبيح والطاعة لله عز وجل ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) .
ولفظ الماضي يفيد الثبوت الدوام .
فلا ينبغي للإنسان أن يشذ عن هذه الصورة وهو العاقل الذي كرمه الله وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعا منه .
والله عزيز غالب قوي منيع الجانب لا يحتاج إلى أحد .
حكيم في تكليف المؤمنين بالجهاد ليقيم الملة وينصر الدين على أيديهم وهذا اختيار عن علم الله المحيط .
وفي السورة الكريمة بيان لفشل بني إسرائيل في حمل هذه الرسالة فمنهم من زاغ ومنهم من كذب ؛ فزاغت قلوبهم وصاروا فاسقين وظالمين .
فجمعت الآيتان بين أهل الكتاب والمشركين في زاوية المغلوبين أمام الإسلام ، حدث هذا من قبل وسيحدث من بعد ؛ لأن قوانين الله لا تتبدل وسننه لا تتغير .
وفي السورة تكليف مباشر للمؤمنين بالدفاع عن الدين والجهاد في سبيل الله .
وإن كانت صورة التكليف بصيغة الاستفهام المفهمة للحث والتحضيض .
فلم يأت الأمر بالجهاد هنا كما جاء في سورة التوبة ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ، قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) .
ولكن الأمر – حسب جو سورة الصف – يختلف عنه في سورة التوبة .
وواضح أن الأمة التي اختارها الله لهذه الأمانة ينبغي أن تهب لنصر الدين وبذل الغالي والرخيص في سبيل تحقيق هذا الهدف وهي راغبة مختارة .
ومراد الله أن يؤمن الناس والله عز وجل فعال لما يريد وسيحقق ما يريد على أيدي المؤمنين الذين يفهمون مراد الله ويبلغون رسالته للعالمين فمن اهتدى فلنفسه ومن عمي فعليها .
وعمادهم في ذلك إيمان بالله ورسوله وعون الله ومعيته .
وتأتي المحفزات الضخمة مصاحبة لهذا التكليف :
- بأن الله ناصر دينه رغمًا عن الكافرين من أهل الكتاب والمشركين .
- ومغفرة الذنوب وتكفير السيئات .
- وجنات تجري من تحتها الأنهار ؛ ليفيد النعيم والاسترواح .
- ومساكن طيبة .
- في جنات عدن ، وعدن تعني الإقامة الدائمة ، وكأن الآية استعاضت عن ذكر خالدين فيها أبدًا بكلمة عدن .
- ويعقب المولى سبحانه على هذا الجزاء ( ذلك الفوز العظيم ) .
- وهذا أيضا محفز كبير ؛ لأن الجزاء إذا كان عظيما بتقدير الله فهو جزاء ضخم جدا لأن مقاييس الله - سبحانه وتعالى- العليم بمقدار الجزاء وحلاوته وحقيقته أعظم من مقاييس البشر الذين لا يعلمون شيئا عن هذه الأمور إلا من الله الذي أعد هذا الجزاء .
- وثمة محفز آخر وهو الوعد بنصر من الله . فلا ينسب النصر إلينا من أي وجه ( وما النصر إلا من عند الله ) آل عمران 126.
- وفتح قريب وبشر المؤمنين ، ( هل المقصود بالفتح القريب ، فتح مكة أم فتح خيبر أم فتوح أخر ) وما أعظمها كلمة لاستمالة القلوب : وبشر المؤمنين فالمبشر به مسكوت عنه لتذهب النفس فيه كل مذهب على طريقة القرآن في الترغيب .
- وثم محفز عملي وقع بالفعل مع أتباع سيدنا عيسى عليه السلام إذ نصروا الله ورسوله فأيدهم الله على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ، وهذه الكلمة الأخيرة تعني أنهم لم يرتقوا إلى درجة النصر بعددهم وعدتهم ولكن الله عز وجل هو الذي جعلهم ظاهرين ومنتصرين ؛ فكان تأييد الله هو سبب النصر .
- ومن هذه المحفزات المهمة الأمر المباشر – وقد يكون المقصود منه الحث – ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) وهو أمر يثير الحياء من الله عز وجل القادر العزيز الذي له جنود السموات والأرض ، ثم يدعونا - نحن عبيده الضعفاء - لينصر الدين على أيدينا ؟ . فأي شرف وأي رفعة !
- قال الحواريون نحن أنصارالله ، فكونوا – أيها المؤمنون - مستجيبين طائعين مثلهم .
ولا يفوتني أن أذكر أدب القتال كما جاء في أول السورة ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
لدرجة أن السورة سميت بسورة الصف ؛ لتشير إلى أهمية التآلف وتوحيد الصفوف والقلوب في مواجهة أعداء الأمة .
ولاحظ أيضا أن التكليف لم يأت بالأمر المباشر ؛ ولكن إذا علم المؤمنون أن الله يحب أمرا بادروا لتنفيذه وسارعوا إلى إنجازه .
فالمقياس ليس مجرد الثواب ، ولكن المقياس : ماذا يحب الله لنفعله ؟ .
وهؤلاء هم الذين وصلوا إلى درجة المحبة ، فلا يحبون أن ينزلوا دونها ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) البقرة165.
ألا ترى معي أن العتاب جاء في صدر السورة الكريمة لأن الله ( يحبهم ويحبونه ) ! المائدة54 .
فهذا عتاب عن محبة !
وهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه يصنعهم الله على عينه ، ليجاهدوا في سبيله حتى يكون الدين كله لله ، بعد أن تولى أهل الكتاب السابقين عن نصر هذا الدين .
وهناك شبه بين موضوع السورة الكريمة وموضوع سورة البقرة :
فقد بينت سورة البقرة فشل بني إسرائيل في حمل رسالة التوحيد ، فكلف الله بها أمة الإسلام ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة143.
وكلفت المؤمنين بالقتال في قوله سبحانه : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) البقرة216 .
وشجعت المؤمنين على القتال بقصة طالوت وجالوت كما جاء الحديث هنا عن نصر الله للحواريين : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على

العالمين ) البقرة251.

ولاحظ أن السورة الكريمة تسير على ثلاثة محاور تقريبًا :

- وجوب وحدة الصف .

- أمة الإسلام تحمل أمانة الدعوة بعد فشل في القيام بها بنو إسرايل .

- محفزات للعمل للإسلام والجهاد في سبيل الله .
ولاحظ اتساق أول السورة بآخرها ، ففي أول آية ( وهو العزيز الحكيم ) وفي آخرها تتمثل العزة والحكمة في نصر المؤمنين ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين )

والحمد لله أولا وآخرا .