الاثنين، 15 يونيو 2009

الغنى والمحبة والشوق

الغنى والمحبة والشوق : تابع الدرس السادس

قال الهروي رحمه الله :

باب الفقر
قال الله عز و جل( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) فاطر .
الفقر اسم للبراءة من رؤية الملكة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى فقر الزهاد وهو نفض اليدين من الدنيا ضبطا أو طلبا وإسكات اللسان عنها ذما أو مدحا والسلامة منها طلبا أو تركا وهذا هو الفقر الذي تكلموا في شرفه
والدرجة الثانية الرجوع إلى السبق بمطالعة الفضل وهو يورث الخلاص من رؤية الأعمال ويقطع شهود الأحوال ويمحص من أدناس مطالعة المقامات
والدرجة الثالثة صحة الاضطرار والوقوع في يد التقطع الوحداني والاحتباس في قيد التجريد وهذا فقر الصوفية

- باب الغنى

قال الله عز و جل: ( ووجدك عائلا فأغنى ) . الضحى .
الغنى اسم للملك التام
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى غنى القلب وهو سلامته من السبب ومسالمته الحكم وخلاصة من الخصومة
والدرجة الثانية عنى النفس وهو استقامتها على المرغوب وسلامتها من المسخوط وبراءتها من المراياة
والدرجة الثالثة الغنى بالحق وهو على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى شهود ذكره إياك والثانية دوام مطالعة أوليته والثالثة الفوز بوجوده

باب مقام المراد :

قال الله عز و جل (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب ) .
أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المراد والمريد اثنين .
- باب المحبة

قال الله عز و جل من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه 1
المحبة تعلق القلب بين الهمة والأنس في البذل والمنع على الإفراد
والمحبة أول أودية الفناء والعقبة التي ينحدر منها على منازل المحو وهي آخر منزل تلقى فيه مقدمة العامة ساقة الخاصة
وما دونها أغراض لأعواض
والمحبة هي سمة الطائفة وعنوان الطريقة ومعقد النسبة
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى محبة تقطع الوساوس وتلذ الخدمة وتسلي عن المصائب
وهي محبة تنبت من مطالعة المنة وتثبت باتباع السنة وتنمو على الإجابة للفاقة
والدرجة الثانية محبة تبعث على إيثار الحق على غيره وتلهج اللسان بذكره وتعلق القلب بشهوده
وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات والنظر في الآيات والارتياض بالمقامات
والدرجة الثالثة محبة خاطفة تقطع العبارة وتدقق الإشارة
ولا تنتهي بالنعوت
وهذه المحبة هي قطب هذا الشأن وما دونها محاب نادت عليها الألسن وادعتها الخليقة وأوجبتها العقول
باب الغيرة :
قال الله عز و جل حاكيا عن سليمان عليه السلام ) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) .
الغيرة سقوط الاحتمال ضنا والضيق عن الصبر نفاسة
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى غيرة العابد على ضائع يسترد ضياعه ويستدرك فواته ويتدارك تواه
والدرجة الثانية غيرة المريد على وقت فات وهي غيرة قاتلة
فإن الوقت وحي الغضب أبي الجانب بطيء الرجوع
والدرجة الثالثة غيرة العارف على عين غطاها غين وسر غشيه رين ونفس علق برجاء أو التفت إلى عطاء
- باب الشوق :

قال الله عز و جل : (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) العنكبوت .
الشوق هبوب القلب إلى غائب وفي مذهب هذه الطائفة علة الشوق عظيمة فإن الشوق إنما يكون إلى غائب ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة ولهذه العلة لم ينطق القرآن باسمه .
ثم هو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى شوق العابد إلى الجنة ليأمن الخائف ويفرح الحزين ويظفر الآمل
والدرجة الثانية شوق إلى الله عز و جل زرعه الحب الذي نبت على حافات المنن فعلق قلبه بصفاته المقدسة فاشتاق إلى معاينة لطائف كرمه وآيات بره وأعلام فضله .
وهذا الشوق تفثأه المبار وتخالجه المسار ويقاويه الاصطبار .
والدرجة الثالثة نار أضرمها صفو المحبة فنغصت العيش وسلبت السلوة ولم ينهنهها معز دون اللقاء .

وقال الإمام الغزالي في الإحياء :

{ وكان إبراهيم بن أدهم من المحبين فقال ذات يوم : يارب إنْ أعطيت أحدًا من المحبين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني ذلك فقد أضر بي القلق . قال : فرأيت في النوم أنه أوقفني بين يديه وقال ياإبراهيم أما استحييت مني أن تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي . وهل يسكن المشتاق قبل لقاء حبيبه . فقلت : يا رب تهت في حبك فلم أدر ما أقول . فاغفر لي وعلمني ما أقول . فقال قل : اللهم رضني بقضائك وصبرني على بلائك وأوزعني شكر نعمائك .
وإن هذا الشوق لا يسكن إلا في الآخرة برؤية الله عز وجل .وهذا هو الشوق الأول .
وأما الشوق الثاني فليس له نهاية في الدنيا ولا في الآخرة , لأن الله عز وجل له من صفات الجلال والكمال ما لم يتضح للعباد بعد , خاصة يوم القيامة عندما يشرّف الله عباده المؤمنين برؤيته ويرون عظمته وجلاله يزداد حينئذ شوقهم إلى بارئهم سبحانه وتعالى .ويزداد الشوق كلما تكررت الرؤية .
وتكون لذة ما يتجدد من لطائف النعيم شاغلة عن الإحساس بالشوق إلى ما لم يحصل .

ليست هناك تعليقات: