الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

من ثمرات التلاوة : سورة الزخرف

سورة الزخرف

هدف السورة :

إرسال الرسل سواء أطاع الناس أو عصوا والتحذير من الخديعة بالمظاهر المادية .

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)

تشتمل على درس كبير للأمة مضمونه : الاهتمام بجوهر الأشياء وحقيقتها .

وفيها تحذير من الخديعة بالمظاهر المادية. حيث لا يجوزاعتبارها وسيلة لتقييم الأمور؛ ويحكم بها على الدعوة والرسل

والمبدأ الذي يبنى على الظاهر والزخرف والأشكال فيه إهدارلقيم الحياة الإنسانية الكريمة .

وقد ضربت السورة الأمثال من الأمم السابقة التي أهلكت ودمرت عندما غاب عنها أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي يبقى ولا يبيد (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) 71 .

وإليك هذا الخيط فاسمك به وهو الذي يربط السورة وينظم عقدها :

وهو الزخرف والمظهر وينعى القرآن على الناس أخذه مقياسا للحكم على الأمور :

تذكر السورة أن أسباب التكذيب كانت مظاهر مادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) آية 31

(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون.

وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين والقرآن ومبادئ الإسلام (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) آية 44،

وتحدثت الآيات عن عيسى عليه السلام لأنه رمز الزهد والحكمة وعدم الاكتراث بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63 .

ومنها أيضًا (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) آية 67 لأن سر اختيار الصحبة الدنيوية يتوقف على المظهر الخادع والمنفعة القريبة ، لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة على أسس صحيحة .

وقد سميّت السورة بهذا الاسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها ، الخادع زخرفها الذي يُخدع به الكثيرون .

وهي في حقيقتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة وهي دار الفناء يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار على السواء أما الآخرة فهي دارالبقاء والقرارلا يمنحها إلا لعباده المتقين .

هل ثم سر في ذكر قصة عيسى عليه السلام في السورة الكريمة ؟ .

لأنه رمز الزهد في الدنيا ، يرد القرآن به على المتعلقين بزيف الدنيا وزخارفها : ( قال قد جئتكم بالحكمة ) .

كما أن قومه اختلفوا في شأنه فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، وهذا مثال يسوقه الله تعالى لكفار مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلئن كذبوك فقد كذبت قبلهم يهود بعيسى عليه السلام وتآمروا عليه .

وصدق الله العظيم حيث يقول : ( ومضى مثل الأولين ) 8 .

وذكر سيدنا عيسى عليه السلام فيه ملاحظة أخرى وهي : أن القرآن الكريم يرد على الكافرين المعاندين المجادلين ؛ حيث يقولون : إذا كانت الملائكة بنات الله والأصنام صور لها فنحن إذن – أي كفار العرب – خير من النصارى الذين يعبدون عيسى وهو بشر مثلهم ومن طبيعتهم !

وقد جاء الرد واضحا وقاطعا على لسانه عليه السلام : ( إن الله ربي وربكم فاعبدون هذا صراط مستقيم ) .

وكذلك جاء ذكر إبراهيم عليه السلام وهم كانوا يدّعون أنهم على ملته فإذا هم يقابلون النبي محمدا – صلى الله عليه وسلم – وهو على ملة إبراهيم ، يقابلونه بالتكذيب والكفر .

ولاحظ أن الرسل الأربعة المذكورين في السورة من الخمسة أولي العزم ، الذين لاقوا العنت الشديد من أقوامهم .

كما أن في ذكرهم مناسبة لترتيبها مع سورة الشورى التي ورد فيها أسماء أولي العزم عليهم الصلاة والسلام .

ومما يربط السورة الكريمة باسمها أيضا : ما جاء على لسان المشركين ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) . فهم يقيسون الحياة بزخرفها وأشكالها لا بحقيقتها وجوهرها وقيمها .

وقريب من هذا في قصة موسى عليه السلام مع فرعون :

حيث يبدو فيها اعتزاز فرعون بمثل تلك القيم الزائفة ، وهوانها على الله ، وهوان فرعون الذي اعتز بها ، ونهايته التي تنتظر المعتزين مثله في كل زمان :

( ونادى فرعون في قومه قال : يا قوم أليس لي ملك مصر ، وهذه الأنهار تجري من تحتي ، أفلا تبصرون؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين؛ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين! فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين ، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلا للآخرين } .

{ مِّن ذَهَبٍ } أراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب { أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملئكة مُقْتَرِنِينَ } يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه .

ولاحظ الأمثلة التي ساقتها الآيات الكريمة :

فالله عز وجل يرسل الرسل والناس يكذبون ، ويريهم الآيات الواحدة أكبر من أختها فإذا هم ينكثون !

لغة : كلمة الزخرف في اللغة :

الزُّخْرُفُ، بالضم الذَّهَبُ، وكمَالُ حُسْنِ الشيءِ، وزخرف القول وتزيينه بمعنى الكذب . و من الأرض: ألْوانُ نَباتها.

استخف : طلب طاعتهم له على وجه السرعة .

ذهب : لم يقل : مال . وكلمة الذهب أنسب من المال . لماذا ؟ .

من و جهين : أولا : لأن الذهب زخرف وبريق لامع يأخذ العيون ويخدع النفوس وهذا المعنى يتناسب مع جو السورة الكريمة .

الثاني : أنه يذهب بالإنفاق ويتلاشى .

المقصود بالأساور : أنهم كانوا إذا نصبوا ملكا ألقوا عليه الأساور ، وهذا من الشكل العام والزخرف المناسب لمقام الملك .

أو جاء معه الملائكة مقترنين : أي ليؤازروه ويعاضدوه . وهذا من الشكل المطلوب والزخرف المرغوب لديهم .

والفضة ؟ .

تنفض بالإنفاق هي أيضا .

ومن الألفاظ والكلمات الأخرى التي تعبر عن اسم السورة : إضافة إلى كلمات الزخرف والذهب والفضة - ومعارج عليها يظهرون ، متاع الحياة الدنيا ، أسورة . والملائكة يأتون معه مقترنين : مظهر وشكل أيضا .

فسبحان من سمى السورة : سورة الزخرف !

وما الفرق بين ذهب الدنيا وذهب الآخرة وكلاهما ورد في السورة ؟ .

الفرق أن ذهب الدنيا فان زائل كزوال الأرض التي هو منها ، بدليل : فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجميعن فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) .

أما ذهب الآخرة : فمعه التنعم الدائم والخلود الباقي : يطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) .

فليس الذهب الذي يفنى ويصير ترابا ويزول عن الوجود كالذهب الذي يبقى مادة للنعيم في خلود سرمدي وعمر مديد !

- في القرآن يأتي : العذاب الأليم مع الكفر والعناد والخصام والجدال .

- والعذاب المهين مع السخرية والاستهزاء . انظر أن شئت في الجاثية وفي لقمان وغيرها تجد هذا الدليل فاعرفه فإنه سر لطيف من وراء ألفاظ القرآن الكريم الذي أحكمت آياته من لدن حكيم خبير !

وما معنى قوله تعالى : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) .

أم هنا يسمونها المنقطعة وهي بمعنى : بل .

وما معنى حرف الجر ( من ) في الآية : ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) .

من في الآية الكريمة بمعنى : بدل . والمعنى : لجعلنا بدلكم ملائكة . والله أعلم .

من مظاهر الرحمة في السورة الكريمة :

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) .

فالله عز وجل لم يعرض عن تذكيرهم بإرسال الرسل و الكتب على الرغم من عنادهم بل وإسرافهم في الكفر والجدال بالباطل .

وليس هذا شأن الله تعالى مع أهل مكة فقط ، بل أرسل الله الرسل لأقوام آخرين فكذبوا وتجاوزا الأمر إلى السخرية والاستهزاء .

وهذا أعظم دليل على رحمة الله تبارك وتعالى مع المخلوقين ، حيث يعامل أعداءه بمنطق الرحمة والصبر ويبصرهم بطريق الهداية ، وإن كان يعلم أنهم سيكذبون !

ومن مظاهر الرحمة :

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) .

والآيات على ما فيها من التهديد والوعيد فيها أيضا الإمهال وإعطاء الفرص بعد التذكير وضرب الأمثال .

هات من السورة ما يعالج شأن العقيدة .

في السورة الكريمة - وهي مكية - بناء للعقيدة من خلال علاج قضية البعث ، وإثبات أن الله هو الخالق للسموات والأرض وكل شيء ، وهو المنعم المتفضل بجلائل النعم .

كما ترد على المشركين الذين يدعون لله البنات – سبحانه – وتدحض حجتهم .

ما المقصودبالقريتين في السورة ؟ . المقصود مكة والطائف ، فهما أكثر القريتين عددا وعدة .

كيف ترد السورة على ادعاء فرعون بأنه يملك مصر وأنهارها ؟ .

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) . وفرعون لا يملك شيئا في الأصل ، بل هومخلوق يبدؤه الله ويعيده . والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات: