بقلم: د. محمد السيد الدسوقي
قال سيدنا حذيفة بن اليمان: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، ومن هذا النهج أكتب هذه الكلمات، ومن الأصل الشرعي أن "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع" ننطلق بهذه العبارات، فما هي آفات الانتخابات حتى نتجنَّبها قدر المستطاع والإمكان والعمل الجاد على وحدة الوطن في هذه المرحلة الحرجة؛ التي تتطلب منا جميعًا إعلاء المصلحة العليا على المصلحة الشخصية الضيقة، كما يجب علينا اليقظة الكاملة لكل محاولات هدم الثورة، وإعادة النظام الفاسد السابق.
وأول هذه الآفات التي تأكل ثمار الانتخابات:
1- التعصب للأشخاص أو الهيئات والأحزاب:
هناك فارق كبير بين الدعوة إلى فكرة والحماس والعمل من أجلها وبين التعصب المذموم الذي يصيب الإنسان بالعمى الفكري الذي لا يرى غيره ولا يعتقد في صحة وصواب الآخرين مثله، بل وتتجه انفعالاته للنيل من الآخرين بالتجريح والتشهير والغيبة والاعتداء، وكل ما يدعو به الشيطان لإفساد العلاقة بين البشر، ولا بد أن نذكِّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم".
ينبغي علينا أن نغلق باب العصبية ودعوى الجاهلية التي نشأت حتى بين المهاجرين والأنصار في الواقعة المشهورة حينما تشاجر رجلان فقال: رجل من المهاجرين: يا للمهاجرين وقال الآخر: يا للأنصار، وكادت تحدث الفتنة حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعالج الموقف بالحكمة وهدي النبوة حتى نتعلم منه وقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!".
لذلك على العاملين بالسنة الحقيقية والعقلاء والحكماء أن يتدخلوا لنزع فتيل العصبية وزراعة الثقة والاحترام في أرض الوطن، بدلاً من أنغام الفرقة والشقاق.
2- الكذب والتجريح والغيبة:
الكلمة هي أخطر ما يملك الإنسان، واللسان هو الذي يؤدي بصاحبه إلى التهلكة، وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ "هل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم؟!"، وقد كان سيدنا أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: "هذا الذي أوردني المهالك" وإذا لم تخرج الكلمة من الإنسان فهو يملكها فإن خرجت ملكته، وحينما يقام سوق الانتخابات تستعد الألسنة دون كلل أو تعب للحديث ليل نهار في جميع الاتجاهات، وقد يستمر التراشق بالألفاظ دون توقف ويقع في هذا الفخ الكثير إلا من رحم الله، وهم أصحاب الإيمان العميق والتكوين الدقيق، الذين تربوا على دعوة الحق والذين تعلموا عدم تجريح الأشخاص والهيئات، فعاشوا في نور القرآن ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: من الآية 12)، وطبَّقوا السنة في حديثه صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟!......... ".
وتواصوا فيما بينهم بعدم الانسياق وراء الناعقين وأصحاب القصف الإعلامي المركز لتشويه صورة المخلصين والافتراء والكذب على المجاهدين الذين وقفوا في وجه الظالم، وقالوا كلمة حق عند سلطان جائر، ويا ليت كلاًّ منا يحفظ لسانه ويترفَّع عن الخطأ في الآخرين.
إن المكسب الحقيقي من الانتخابات هو القدوة الطيبة في القول والعمل، والحصول على ثقة الناس بالحق، بغض النظر عن عدد المقاعد البرلمانية والخسارة الكبيرة في اتباع سبيل الشيطان بالكذب أو النفاق أو تجريح الآخر والانتقاص من شأنه، حتى ولو حصد البعض الكثير من المقاعد.
3- الحسد وغياب سلامة الصدر:
أول جريمة قتل حدثت في تاريخ البشرية هي قتل قابيل لهابيل بسبب الحسد ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)﴾ (المائدة).
والحسد يدبُّ في قلوب ضعفاء الإيمان، ولكن المرحلة الخطيرة التي يمر بها الوطن تتطلب أن نرتفع فوق هوى النفس، ونهنئ الفائز بالمقعد، وندعو له أن يتحمل المسئولية كما ينبغي ونقف وراءه لبناء هذا الوطن، لا أن نهدمه، ونحمد الهق الذي عافانا من المسئولية وهي شديدة بين يدي الخالق.. "إنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"، وأقول بصدق لكل مخلص: إذا كنت تريد المصلحة العامة وخدمة الوطن كما تقول واختار الناس غيرك؛ فلماذا الحسد والغل والانفعالات النفسية، فكن في ركب العمل، وقدم التهنئة بروح رياضية، وادعُ لغيرك بالتوفيق، فإن فعلت هذا فأنت مخلص ووطني وصاحب نفس عالية وهمة قوية.
إن أدنى مراتب الأخوَّة بين المسلمين هي سلامة الصدر التي تتحقق بزيادة منحنى الإيمان في النفس، والأمة الناهضة هي التي تحقق هذه المرتبة لترتفع منها بعد ذلك إلى أعلى المراتب، وهي الإيثار، وتعالوا إلى روضة القرآن لنرى أرفع الأمثلة عبر التاريخ لنتعلم منها بين المهاجرين والأنصار ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر).
4- الخصومة وغياب المحبة:
يحدث بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة خصومة وفقدان المحبة بينهم؛ لاختلاف من يؤيدون من المرشحين، وأحب أن أؤكد أن الاختلاف سنة فطرية خلقها الله في البشر.. ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾ (هود).
على كل مصري أن يحترم رغبة الآخر في الاختيار، ولا ينكر عليه ذلك ويحسن الظن به وفي النهاية الأغلبية ملزمة للأقلية، وأروع الأمثلة الإسلامية كانت في ممارسة الشورى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والمجال فيه الكثير، وليس هناك متسع للحديث فيه الآن، ولكن علينا جميعًا أن نقبل باختيار الناس، وألا نحدث خصومة مطلقًا بيننا داخل الأسرة، أو القرية، أو المدينة؛ فالأمر لا يحتمل ذلك، والوطن في حاجة لكل جهد من الجميع حتى تعود إلينا الريادة والقيادة للبشرية بمشروعنا الإسلامي الحضاري العظيم الذي تسعد به كل الأقطار والبلدان كما سطعت شمسه من قبل.
هذه بعض آفات الانتخابات، وأختم بأننا على أعتاب مرحلة جديدة يولد فيها الوطن من جديد، وهناك مخاض عسير يتطلب من الجميع التكاتف لإنقاذ الجنين الذي نشأ في رحم ثورة 25 يناير، ولكن البعض يحاول إجهاض الجنين، وقتل أمن مصر؛ فهل نساهم في ذلك بهوى النفس أم أننا سنرتفع فوق الآفات ونقيل العثرات ونعفو عن الزلات، ونزرع الخيرات لنجني الثمرات؟!
فنرجو أن نكون كذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق