بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد ...
أخي الكريم :
إن الله عز وجل ، وهو الرحمن الرحيم ، لا يترك عبده غارقًا في وحل المعصية ، وطين الذنوب ، بل يأخذ بيده ، ينظفه بالاستغفار ، ويطهره بالتوبة ، ثم يقيمه على طريق الصالحين ، وصراط المتقين ليس ذلك فقط ، بل يدعوه للمسارعة ليلحق بهم : وسارعوا وسابقوا . .
وبين له – سبحانه – كيف يسابق ويسارع :
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران133- 134.
وهؤلاء المتقون المحسنون تعرفنا بهم الآيات الكريمة :
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135 .
فهم إذن يرجعون إلى الله ويتوبون إليه ، ولا يصرون على المعصية .
هؤلاء سماهم القرآن:المحسنين والمتقين . لماذا ؟ .
لأن الإنسان كثير الخطأ ، وهذه صفته فلابد أن يكون سريع الإنابة إلى ربه ومولاه ، إذا كان يريد مغفرته ورضاه :
عن أنس : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) حديث حسن .
فإن قلت فما منزلة هؤلاء عند الله ؟ .
يأتيك الرد من القرآن الكريم بعد هذه الآيات مباشرة :
{أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }آل عمران136.
وأسألك : أيهما أفضل .. رجل يعمل الصالحات يعجب ويدل بها على ربه ؟ أم رجل يعمل الصالحات ويخطئ ويتوب ، ويقف كثيرًا بين يدي ربه نادما باكيا أسيفا ؟ .
أليست العبودية الحقة تتمثل في الثاني ؟ .
أليس الله قد سمى نفسه التواب الرحمن الرحيم غافر الذنب وقابل التوب ، غفور وغفار ؟ .
إنه تواب ليتوب ، وغفار ليغفر ، ورحمن ليرحم .
وتسألني : هل يحب الله الذين يخطئون ويتوبون ؟ .
والجواب : إن الله عز وجل يحب هؤلاء التائبين :
( ... إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222 .
والله عز وجل أشاد بالنفس اللوامة : { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }القيامة2.
وربط القرآن الكريم الفلاح بالتوبة :
( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 .
والله عز وجل يفرح بالتائبين :
عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ــ : يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي و أنا معه حين يذكرني و الله ِ لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة و من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعا و من تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا و إن أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول . ) صحيح .
عن أبي هريرة : ــ ( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد و من الضال الواجد و من الظمآن الوارد . ( ضعفه الألباني ) .
فما الوسائل العملية التي إن حرصت عليها أنال هذه الدرجة ؟ .
الحرص على الأعمال التي يحبها الله :
· ا المداومة على الاستغفار والتوبة من الذنوب وعدم الإصرار عليها .
الصلاة على وقتها .
برالوالدين .
الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالحكمة والموعظة الحسنة .
المثابرة على النوافل : السنن الرواتب ، قراءة القرآن بتدبر ، صلاة الضحى ، صيام النوافل ، وفعل الخير ونشره بين الناس .
الد الدعاء المستمر بأن يصلح الله القلب ، ويطهر النفس .
وأخيرًا أؤكد لك أن الذي يفعل هذه النوافل ينال القرب من الله وحبه سبحانه :
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و إن سألني لأعطينه و إن استعاذني لأعيذنه و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت و أنا أكره مساءته } صحيح .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق