الثلاثاء، 16 مارس 2010

خواطر من سورة نوح

تدبر في سورة نوح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد .. بسم الله الرحمن الرحيم

هدف السورة كما هو هدف الجزء كله : الدعوة إلى الله .

وهي هنا تتناول الداعي ووسائل الدعوة . ..

شأن السور المكية أن تهتم بقضية التوحيد والتذكير بنعم الله سبحانه وتعالى على العباد – ولفت النظر إلى مظاهر قدرته في الكون .

لكن هذه السورة تزيد عن مثيلاتها في شيئين هما : 1 -

· كثرة المحفزات والمغريات وقلة التهديد والوعيد

· طول أمد الدعوة التي استمرت لعدة قرون

وقت نزول هذه السورة الكريمة 2-

كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذى وينكل بأصحابه ، ويشتد بهم الإيذاء وكان لهم في قصة سيدنا نوح المثل والأسوة ؛ ليصبروا ويصابروا ويثبتوا ويرابطوا، ليس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقط بل على مدار الزمان الطويل الذي تعيشه أمته .

مظاهر الرحمة في السورة الكريمة 3 -

- رحمة الله التي تتجلى في حرص الله تعالى على إرسال الرسل كي لا يمسهم العذاب الأليم : ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) .

( إنه كان غفارًا ...لتسلكوا منها سبلا فجاجًا ) . : وهذا الترغيب الموسع لإطماعهم وجذبهم إلى صفوف الإيمان

4 - الرسل والدعاة يفهمون مراد الله ( أن يؤمن الناس ويخرجوا من دائرة غضب الله وعذابه ) من أجل ذلك يصبرون على أقوامهم ويتحملون كل أنواع التضحيات .

5 - الرسل والدعاة يلجون كل طريق ، ويسلكون كل سبيل ، ويتخذون كل الوسائل المشروعة من أجل دعوة الناس إلى دين الله عز وجل .

الدعوة سرًا وجهرًا : ( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ... ثم إني دعوتهم جهارا ثم أني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا ) .

تنويع الأسلوب : أسلوب الاستفهام : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقًا وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا )

وأسلوب التقرير : (والله أنبتكم من الأرض نباتًا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا ، والله جعل لكم الأرض بساطًا لتسلكوا منها سبلا فجاجًا ).

بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا 6 -

هل هذه البشرية تستحق كل هذا الإغراء وكل هذا الصبر وكل هذا الجهد الضخم من إرسال الرسل في كل زمان ومكان وبذل النفوس والأموال وأصناف التضحيات وهم الذين يكفرون ويسفكون الدماء ويفسدون في الأرض ؟ . .

إن هذه الثلة المؤمنة التي يتشرف بها كل زمان ومكان والتي ينعم الله عليها ويثبتها على دينها ، والتي اصطفاها الله تعالى لنشر تلك الدعوة وحمل هذه الرسالة في العالمين، هذه الفئة المؤمنة التي يحفظ الله بها الذكر والقرآن والإسلام لتكون ترجمة عملية لهذا الدين هي التي تجعل البشرية تستحق هذا الكرم وذاك الفضل من الله .

لأنهم يتحملون مواجهة الباطل بأشكاله المختلفة عسكريا كان أو ثقافيا أو اقتصاديا ، يتحملون إنفاق المال وبذل النفوس ، وبذل كل ما في الوسع والطاقة، بل ويتحملون ما فوق طاقتهم حبا في دينهم وحبا لربهم .

كما أن الهدف الذي قام من أجله هؤلاء الدعاء يستحق هذا الجهد وهو استقرار حقيقة عبادة الله وحده على وجه هذه الأرض .

عاقبة الشر : ( قال نوح رب إنهم عصوني ....فأدخلوا نارًا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارًا ) . 7 -

إذا تمحض الشر وصار خالصا ، وخلع عن كاهله كل ثياب الخير ، وأصبح الخير عاجزًا عن جذبه إلى صف الإيمان ولم يستطع المؤمنون الدفاع عن أنفسهم و دينهم يتدخل الله عز وجل بقوته المطلقة وقدرته الفائقة ليريح الأرض ومن عليها من الفساد

والمفسدين .

.{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62.

8 - وفي عرض مصير الكافرين من قوم نوح موعظة بالغة لمشركي مكة ، حتى لا يدركهم هذا المصير الأليم .

9 - وفي نفس الوقت فيه إيناس للمؤمنين وتطييب لخاطرهم بعد أن ضاقت صدورهم بأذى المشركين وصلف المعاندين .

10 سرعة استجابة سيدنا نوح لأمر ربه :

( أن أنذر قومك ... قال يا قوم ) . وفيه تعليم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كي يستجيب بهذه السرعة في دعوة قومه .

11 - نجاة المؤمنين وسعادتهم . هلاك الكافرين وشقاوتهم .

لمحات بلاغية :

أن أنذر قومك : أضافهم إليه لبيان مدى ارتباطه بهم ووجوب خوفه عليهم وحرصه على هدايتهم فهم يستحقون ذلك منه ؛ لإنهم أقاربه وأصدقاؤه ومعارفه وأصهاره .

فهم نوح هذا التوجيه فقال : يا قوم ِ إني لكم نذير مبين.

ولم يأت بحرف العطف هنا ؛ ليبين مدي السرعة .

وأتى بحرف العطف ثم الذي يفيد التراخي مع آيات الدعوة :

( ثم إني دعوتهم جهارًا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا ) .

وذلك ليبين صبر نوح عليهم وطول نفسه معهم .

بينما جاءت الفاء ( فقلت استغفروا ربكم ) ليبين لهفته إلى دعوتهم إلى الله .

شعبان شحاته : مدونة تدبر القرآن .


ليست هناك تعليقات: