الأحد، 18 أبريل 2010

من ثمرات التلاوة

سورة الذاريات

من ثمرات التلاوة :سورة الذاريات :الحمد لله رب العالمين منزل الكتاب المبين هدى ورحمة للعالمين والصلاة والسلام على خير داع ٍ إلى الصراط المستقيم وعلى آله وأصحابه أجمعين .تبدأ السورة الكريمة بالتأكيد على حتمية الحساب يوم القيامة ، وعلى وقوع الاختلاف بين الناس في قبول الحق ورفضه وقد وعد الله المؤمنين بالجزاء الكريم وتوعد الكافرين بالعذاب الأليم .وكان القسم هو أداة التوكيد ، والمقسِم هو الله سبحانه وتعالى ، والمقسَم به مختارات مما أبدع الله في هذا الكون المنظور .وآيات السورة تهدف إلى أن يفر الناس إلى الله ربهم فهو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ولا ينبغي أن يعوقهم عن ربهم طلب الرزق فقد تكفل الله بهذه القضية .يفرون إلى الله بالإيمان والتوحيد ، والاستسلام والانقياد ، يفرون إلى الله من إغراء الشهوات ، وتلبيس الشبهات .فلن تجد النفوس راحتها إلا في كنفه ولن تجد سعادتها إلا في رحابه .فليتجه الناس إلى ربهم إيمانا به وليكفروا بما سواه ؛ فهو وحده الخالق الذي يملك الأعمار والأرزاق . وإليه مرجع الناس وحسابهم يوم القيامة . فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه .وتعرض الآيات صفات المتقين ولكنها تعرض الجزاء أولا ، كأن المبادرة بذكر المتقين وطمأنتهم على جزائهم محبب إلى الله الودود :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) .وهذه الصفات تشمل حب الوقوف بين يدي الله والتوبة والاستغفار والتعبد والانكسار والرحمة بعباد الله المحتاجين ومد يد العون للمحرومين .وكأن هاتين الصفتين أصل لكل صفات الخير ، وهي حسن التعامل مع الله وحسن التعامل مع الناس .وتعرض السورة لقضية الرزق :فعرضت في أولها القسم بالرياح والسفن وهي من أسباب الرزق .والرياح أحيانا تذرو فتقطع السحب وتمنع المطر ، وأحيانا تحمل السحب لينزل الغيث حيث يريد الله .وتأتي إشارة أخرى في قوله سبحانه : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ثم يعقب بالقسم توكيدا لهذا الأمر .وإشارة ثالثة بالرزق من نوع آخر وهو الرزق بالولد بعد الشيب والكبر .وإبراهيم عليه السلام لم يبخل بالرزق عن الأضياف .وفي آخر السورة : ( ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) .وتعرض السورة الكريمة لمصارع المكذبين ، ويأتي العرض سريعًا حسبما يقتضيه جو السورة القصيرة .ويأتي أول التكذيب على لسان فرعون ( فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ) مع أنه ليس أسبقهم زمنا ، ولكن السورة ذكرته أول المكذبين .ولعل ذلك لتطاوله الشديد ، وعلو كعبه في التكذيب !وجاء في آخر هذا المقطع :( وكذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) فكانت سمة مشتركة تمليها طبيعة الطغيان ، وتدفعهم إليها صفة العلو والمكابرة في الأرض بغير الحق .تولى بركنه ، معتمدا على جنده وسلاحه يدفعه غروره وعناده ، وليس بمعجز في الأرض .مع أن الله عز وجل أرسل إليه موسى وهارون بالآيات والسلطان المبين .فما كان جوابه إلا أن قال ساحر أو مجنون .فهل استفادوا من الآيات المتتابعة ، والحجج القاطعة التي قرعت قلوبهم وبهرت عقولهم ؟ أم هو العناد والاستكبار ؟ .
وقد جاءتهم تسع آيات بينات ، ولكن ماذا تفيد الآيات للمفسدين في الأرض ، المسرفين في الكفر المتمادين في الطغيان ؟
وقد سجل القرآن عليهم ذلك في سورة القمر ({وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ }القمر42 .وكم من فرعون يتولى بركنه ، ويقول ساحر أو مجنون !
وتتكرر النسخ المتألهة في الأزمان المتعاقبة ولم يقف أحدهم على ما حدث للفراعين السابقين ( أتواصوا به ! ) .(بل هم قوم طاغون ) .والكل يفر ولكنهم فريقان :فالمؤمنون يفرون من الله إليه .والكافرون يفرون من الله إلى غيره ، وهم في النهاية واقعون في قبضته !وتبين الآيات حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية قومه وهو يدعوهم أن يفروا إلى الله ، مع التأكيد بأنه نذير مبين .( فتول عنهم فما أنت بملوم ) فقد أدى الرسول ما عليه : بلغ الرسالة وأدى الأمانة .ولكن التذكير يستمر فإن هذه الذكرى إن لم ينتفع بها أحد فسينتفع بها المؤمنون ، الذين يفرحون بما أنزل الله إليهم مسرورين بمنهج الله الذي أنار حياتهم {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 .{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58.ويأتي بيان الهدف من خلق الثقلين وهو أمر العبادة لله وحده ووجوب إزاحة العقبات من طريق هذا الهدف ، ومنها الانشغال بالرزق عن العبادة .وقد أتت إشارة مماثلة في سورة الجمعة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) .وفي سورة المنافقون : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) .وتختم السورة الكريمة بالوعيد الشديد للذين يصرون على الانحياز إلى طريق الكفر والبوار سواء من قريش ومَن حولَهم أو من بعدهم في الأزمان اللاحقة فسيصيبهم من العذاب كما أصاب الأقوام المذكورة في الآيات السابقة : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) .وقد جاء في أول السورة ( إن ما توعدون لصادق وإن الدين لواقع ) .وختمت بمثل هذه البداية . حيث أكد لهم وقوع العذاب في يومهم الذي يوعدون كما وقع بأمثالهم من الكافرين.والحمد لله أولا وآخرا.

هناك تعليق واحد:

متدبر يقول...

وإنه لكتاب عزيز

http://tadabbor.com/nzekra/media/41/?p=2

منقول من موقع الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم