أنزل الله – عز وجل - القرآن الكريم ، ليتدبر الناس آياته .
وآيات القرآن : تعرفنا بالله عز وجل ، وتعطينا التصور الصحيح عنه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ، وعن الكون وما فيه من بديع الصنع والإحكام ، وعن كيفية عبادته ، وعن الرسل وما بذلوه من جهد وما قابلهم به أٌقوامهم من كفر أو إيمان ، وتعرفنا ببعض الغيبيبات كالغيب الماضي ، عن خلق آدم وعن بداية خلق الكون ، وعن تاريخ الرسل ، وعن غيب المستقبل وما فيه من أحداث الساعة والحساب ومصير الناس إلى الجنة أو إلى النار وغير ذلك من مواعظ وإرشاد ودعوة إلى الهداية .
والقرآن تلاوته عبادة وقربى إلى الله ، وهو أكبر مولد للإيمان .
ولكن كم من الناس يقرؤه بانتظام ليتزود منه ، وكم من القراء يتدبره ويتأثر به ، ويهتدي به ويعمل بأوامره وينتهي ينواهيه ؟ .
وما السبيل الأقوم إلى حسن التعامل مع القرآن ؟ .
فلننظر أولا كيف تعامل الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الكرام والتابعون مع القرآن .
تأثر الرسول بالقرآن:
نردد دوما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا، وأسوتنا، وأنه النموذج الكامل الذي ينبغي أن نحتذي به {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21 .
و لا نشك أبدا في حب المسلمين جميعا لرسولهم العظيم، ولكن هذا الحب لابد من إقامة الدليل عليه ، فالبينة على من ادعى .
وأكبر دليل على الحب:الطاعة و الاتباع ، وصدق من قال:"إن المحب لمن يحب مطيع" .
فهل تأسينا به – صلى الله عليه وسلم – في اهتمامه بالقرآن حيث كان يتلوه ويقوم الليل به ، وكان سلاحه في دعوته إلى الله ؟ .
فالرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم مكانة القران عند ربه، وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (ما من كلام أعظم عند الله من كلامه ،وما رد العباد إلى الله كلاما أحب إليه من كلامه) رواه الدارمى ، وقوله (القران أحب إلى الله من السموات والأرض ومن فيهن) رواه الدارمى ، وقوله( من شغله قراة القران عن مسألتي وذكرى أعطيته أفضل ثواب السائلين. وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) رواه الترمذى
لقد كان حبه صلى الله عليه وسلم واهتمامه بالقران لا يمكن وصفه فقد سيطر القران على عقله ومشاعره سيطرة تامة وبلغت قوة تأثيره عليه ان شيب شعره فقد دخل عليه يوما ابو بكر رضى الله عنه فقال له لقد شبت يا رسول الله قبل المشيب فقال : شيبتني هود وأخواتها) رواه الترمذى .
وفى يوم من الأيام قال لعبد الله بن مسعود اقرأ على القران فقال اقرأ عليك وعليك أنزل قال إنى أحب أن أسمعه من غيرى فقرأ عليه سورة النساء حتى اذا جاء إلى قوله تعالى : (فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال حسبك فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان متفق عليه .
وفى ليلة من الليالي وبينما كان يسير صلى الله عليه وسلم فى طرقات المدينة سمع امرأة تقرأ(هل أتاك حديث الغاشية) فقال نعم قد أتاني وهو يبكى... لقد تشبع صلى الله صلى الله بالقران تشبعا تاماً وتأثر به تأثراً بالغا لدرجة أن الإمام الشافعي يعتبر أن السنة هي نضح القران على عقله صلى الله صلى الله وفهمه له.
نماذج من تأثر السلف بالقرآن :
) قال عبدالله بن عروة ببن الزبير : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت : ( تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله ) .
2) روى ابن أبي الدنيا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : سمعت عبدالله بن حنظلة يوما وهو على فراشه وعدته من علته ، فتلا رجل عنده هذه الآية { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج ، وقال : صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه ، فقال قائل : يا أبا عبدالرحمن اقعد ، قال منعني القعود ذكر جهنم ولعلي أحدهم .
3) قال ابن أبي مليكة : صحبت ابن عباس في السفر ، فإذا نزل قام شطر الليل يرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر من النشيج والنحيب .
4) ومن حديث أبي بكر بن عياش قال : صليت خلف الفضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبي علي بن فضيل فقرأ الفضيل { الهاكم التكاثر } فلما بلغ { لترون الجحيم } سقط علي مغشيا عليه ، وبقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآية ، ثم صلى بنا صلاة خائف ، قال ثم رابطت علياً فما أفاق إلا في نصف الليل .
5) سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور فلما بلغ إلى قوله تعالى { إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع } قال عمر : قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه !
6) قال محمد بن حجادة : قلت لأم ولد الحسن البصري ما رأيت منه - أي الحسن البصري - فقالت : رأيته فتح المصحف ، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان .
7) قال قتادة : ( ما أكلت الكرات منذ قرأت القرآن) ، يريد تعظيما للقرآن . ) وكره أبو العالية : أن يقال سورة صغيرة أو قصيرة وقال لمن سمعه : ها أنت أصغر منها ، وأما القرآن فكله عظيم .
أصحاب النبي وحفظ القرآن
كان القرآن الكريم يكتب في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – في سعف النخيل , والعظام , والحجارة الملساء وغير ذلك .
وكتاب الوحي من الصحابة معروفون , رضي الله عنهم . ولكن كم من الصحابة أتم حفظ القرآن ؟ .
الواضح أن الصحابة الكرام معظمهم كان يحفظ من القرآن قدرً ا, لكنه لم يتم حفظه , هذا في الغالب .
أما الذين أتموا حفظ القرآن الكريم فكانوا قلة . فقد أخرج البخاري عن أنس – رضي الله عنه – قال : ( مات النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبوا الدرداء , ومعاذ بن جبل , وزيد بن ثابت , وأبو زيد . قال ونحن ورثناه )صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن .
ويلاحظ أن الحفاظ الأربعة من الأنصار .وذكر البعض أن الحفاظ من الصحابة كانوا أكثر من ذلك وأوصل ( المازري ) العدد إلى خمسة عشر صحابيًا ( كتاب علوم القرآن د / محمد السيد جبريل ) .
وعندما جُمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنه , أُخذ من صدور المئات من الرجال , لكنهم لم يكونوا حفاظًا لكل القرآن بالضرورة .
إن المعنى الذي أريد أن أصل إليه هو : أن الصحابة الكرام كانوا يتسابقون في التأثر بالقرآن , والعمل به وتطبيق تعاليمه ؛ فكانوا مثلا عملية , ومشاعل مضيئة , وقرآنا يمشي على الأرض .
أحسنوا التعامل مع القرآن فأخرج منهم نماذج ناصعة لم يخرج مثلها التاريخ .
هذه النماذج التي خرجت من قلب الصحراء , أقام الله بها حضارة دانت لها الفرس والروم وقارات العالم , وأصغت لها مسامع الدنيا إلى يومنا هذا , سادت بقيمها , ومبادئها , وأخلاقها , وسلوكها , وليس بمجرد حفظ القرآن في الصدور .
وإذا كنا قد سمعنا عن العباد من التابعين من يصلى الفجر بوضوء العشاء لعدد من الأعوام المتوالية , وعن كثرة الحفاظ للقرآن والحديث الشريف وأبواب العلم . إلا أن الثابت والأكيد أن الصحابة الكرام كانوا أقوى إيمانا وأثقل ميزانا.
وعندما قال سيدنا أبو هريرة لبعض التابعين : إن هذه الذنوب التي يعتبرها بعضكم ذبابا وقع على وجهه , كان الصحابة يعتبرونها كالجبال ؛ فمعنى هذا أن الفرق بين الصحابة والتابعين , كالفرق بين حجم الذبابة وحجم الجبال !
وبين الله – عز وجل - أن الهدف من إنزال القرآن الكريم هو التدبر : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29.
وكم رأينا من الحفاظ من يجاهر بالمعصية , ويقصر في الفرائض , ويؤيد الظالمين , ويحل الحرام .
هل هذه دعوى لعدم الحفظ ؟ بالطبع لا , بل نريد من شبابنا أن يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وينشغل بالقرآن في حله وترحاله , ولكن ندعوه إلى تدبر القرآن ليتأثر به , ويترك القرآن يغير فيه ليعود نموذجا ربانيا جديدًا وروحا ا يسري في هذه الأمة فيحييها بالقرآن .
وإذا أردنا العودة إلى مجدنا التليد , وماضينا العريق ؛ فلا بد من العودة إلى مصدر الوحي الصافي : القرآن والسنة المطهرة .
إذا أردنا أن نقيم حضارتنا من جديد , ونمكن لشرع الله , ونزيل الشر والفساد من الأرض , حتى يعبد الله وحده , ونقضي على العوائق من طريق الدعوة إلى عبادة الله ( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) فلا بد من تطبيق تعاليم القرآن والسنة على مستوى الفرد والمجتمع .
ولنبدأ من تدبر القرآن , وليعتبر كلٌ منا أن القرآن يخاطبه هو وليوقن بقول الله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .
وأن العاصي أيا كانت معاصيه , وأن المفسد أيا كان فساده ؛ فإن القرآن قادر على هدايته : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) .
وإذا اعترضنا سؤال هنا : لماذا لم يخرج جيل رباني عظيم كالجيل الأول من الصحابة والتابعين : مجاهدين وعلماء وعبادا ؟
والإجابة تجلي الغامض وتكشف المستور :
إنهم كانوا :
1- إذا دخلوا الإسلام خلعوا رداء الجاهلية كله ولبسوا رداء الإسلام كله . يخرجون من نظام الجاهلية كله إلى الإسلام كله .
2 - كانوا يقرؤون القرآن للعمل والتطبيق ، وليس لمجرد التأثر العابر . فعملوا به ونفذوا تعاليمه في كل شأن من شؤونهم تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته ، طيبة بذلك نفوسهم ، طيعة أجسامهم ، سخية أيديهم وأرواحهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقا آخر مستقيم العقيدة قويم العبادة طاهر العادة كريم الخلق نبيل المطمح .
3 - كانوا يعلمون أنهم مخاطبون بالقرآن ومكلفون بأوامره ونواهيه وأمناء عليه وعلى نشر تعاليمه ورسالته في ربوع الأرض ، فاستبسلوا في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايته فأخلصوا له وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه وهو مدافع عنه ، ومنهم من انتظر حتى أتاه الله اليقين وهو مجاهد في سبيله مُضحٍ بنفسه ونفيسه . ولقد بلغ الأمر إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرد من يتطوع بالجندية من الشباب لحداثة أسنانهم وكان الكثير من ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو .
فكان هذا النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن في هداية العالم في زمن قصير، واستمر هذا النجاح إلى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله ؛ لأن ( هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .
4 - تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة ، حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به في الأسحار ، ومناجاتهم العزيز الغفار . وما كان هذا حالاً نادرا فيهم ، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوي النحل بالقرآن .
وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن .
5 – كان الوحي ( بشقيه القرآن والسنة ) هومصدر ثقافتهم وبناء شخصيتهم ، وتذكر عندما قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيئا من التوراة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ... فقال له : لو كان موسى بن عمران حيا ما حق له إلا أن يتبعني .
فحصن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسياج الوحي حفظا من ثقافات العصر آنذاك : ثقافة الروم في مصر والشام والفرس والحبشة وغيرها .
من خصائص القرآن الكريم :
- إنه يخاطب العقل والقلب معا ، يخاطب الفكر والوجدان ، يقدم الأدلة والبرهان ، ويجذب القلوب بإبداع الله في صفحات الكون وجنبات النفس ، وبآياته البينات التي تسلك إلى القلوب فتصلها برب القلوب .
- يحول الحالة الإيمانية الموقتة إلى مقام دائم ، فيدوم صاحب القرآن على الإخلاص والإنفاق والتوبة والرهبة والرغبة ...
- كما أن القرآن يعالج كل مقامات الإيمان : الخوف والرجاء والثقة والتوكل واليقين بالله ... الخ .
- وهذه خصائص ينفرد بها القرآن عن سائر العبادات ، فثبت بذلك أنه أعظم مولد للإيمان ومثبت للطاعات .
قالوا عن القرآن :
يقول الإمام حسن البنا :
وإنما نزل القرآن في رمضان لأنه روحٌ من الله يجب أن تجهز لها الأرواح بهجران المادة والصوم عن الشهوات جملةً حتى يصادف وعاءً خاليًا فيتمكَّن، وتقع القلوب والأفئدة مبصرةً على ضوءٍ واضحٍ ساطعٍ من سناه فترقُّ وتتمعَّن، فكانت المناسبة بين القرآن ورمضان هذا الصوم الحسي الذي تتطهر به أرواح المؤمنين، فتسمو إلى عليين، أو أنه لهذا المعنى فُرض الصيام في رمضان تكريمًا لأيامه ولياليه التي أنزل فيها القرآن
ويقول : ألا وإنها الفتنة مخيَّمة بالناس في ظلمات المبادئ المادية الفاسدة والآراء الظالمة الجاحدة، ولا مخرجَ منها إلا كتاب الله، وأنتم- أيها المسلمون- حملته، وقلوبكم أوعيته؛ فهل آن لكم أن تتدبَّروه فتفقهوه فتقيموه فتَسعدُوا به وتُسعِدُوا معكم البشريةَ المعذبةَ، وترشدوا باتباعه وتُرشِدُوا القافلةَ الضالة، وتلك رسالتكم اليوم كما كانت رسالة أسلافكم بالأمس.. فهل أنتم لها مُقدِّرون؟ وفي سبيلها مجاهدون؟ نرجو أن يكون!
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما معناه : من أحب القرآن فقد أحب الله .
((من لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر، لم يدرك من لذة القرآان شيئاً))
[الزركشي،البرهان2 / 171]
((إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته))
[ابن جرير الطبري، معجم الأدباء ،18 /63 ]
المطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به ، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين )) [شيخ الإسلام ابن تيمية ، الفتاوى،23 /54]
((ياابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة ؟ !))
[ الحسن البصري، مختصر قيام الليل للمروزي ص 150]
إذا مر- متدبر القرآن بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم ، وأنفع للقلب ، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن)).
[ ابن القيم ، مفتاح السعادة ، ص221]
قال الشيخ محمد الغزالي :
كان الأولون يقرؤون القرآن فيرتفعون إلى مستواه ، ونحن نقرأ القرآن فنشده إلى مستوانا !
لما فشلوا في تربية الرجال على القرآن ، استعاضوا عن ذلك ببناء مساجد ضخمة فيه رجال أقزام !
ويقول : إن هذا القرآن يبدئ ويعيد ، وإني لأقرأ القرآن فلا أستطيع إلا أن أتركه يفعل في نفسي ما يريد .
هناك آداب يجب مراعاتها :
وهذه الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب بالنص ، ومنها ما هو مرغب فيه عند بعض العلماء وليس فيه نص .. أولاً : آداب قلبية
1) أن يخلص لله في قراءته بأن يقصد بها رضى الله وثوابه ويستحضر عظمة منزل القرآن في القلب ،فكلما عظم الله في قلبك وخافه قلبك وأحبه كلما عظم القرآن لديك ، وأن يتنبه إلى أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وأن لا يطلب بالقرآن شرف المنزلة عند أبناء الدنيا . قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : لا يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله .
2) التوبة والابتعاد عن المعاصي عموما فهي تذهب بنور الإيمان في القلب والوجه وتوهن القلب وتمرضه وتضعفه ، فالقلب المريض أبعد الناس عن التأثر بالقرآن ، وعلى وجه الخصوص (القلب والسمع واللسان والبصر ) فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق . ومن أخطر المعاصي وأعظمها صدا عن التأثر بالقرآن وتدبره ، الغيبة والنميمة ، والفحش في القول ، والسب والطعن في الناس ، والكبر والحقد ، والنظر إلى محارم الناس ، وسماع الغناء الذي يحرك الغرائز ويحض على الفاحشة والأفلام والمسلسلات والبرامج ذات الحوارات الفارغة التي لاجدوى تذكر من ورائها .
3) أن يحضر القلب ويطرد حديث النفس أثناء التلاوة ويصون يديه عن العبث وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة .
4) التدبر ومحاولة استيعاب المعنى لأنها أوامر رب العالمين التي يجب أن ينشط العبد إلى تنفيذها بعد تدبرها .
5) أن يتفاعل قلبه مع كل آية بما يليق بها فيتأمل في معاني أسماء الله وصفاته حسب فهم السلف ويتأسى بأحوال الأنبياء والصالحين ويعتبر بأحوال المكذين .
6) أن يستشعر القارئ بأن كل خطاب في القرآن موجه إليه شخصيا .
7) التأثر فيتجاوب مع كل آية يتلوها فعند الوعيد يتضاءل خيفة ، وعند الوعد يستبشر فرحا ، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعا ، وعند ذكر الكفار وقلة أدبهم ودعاويهم يخفض صوته وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم ، ويرتعد من النار عند ذكرها .
ويشتاق للجنة عند وصفها .
8) أن يتبرأ من حوله وقوته إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويتحاشى النظر إلى نفسه بعين الرضا والتزكية .
9) أن يستحضر المعاني التي حصلها من التفسير عند تلاوة الآيات فهذا أدعى للتدبر والتأثر . وأن يتحاشي موانع الفهم كأن يصرف همه كله إلى تجويد الحروف دون النظر إلى المعنى .
10) مراعاة آداب التلاوة .
11) مداومة التلاوة والوقوف عند كل آية وتدبرها والانفعال معها .
12) تسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها أو بعد الانتهاء من القراءة .
13) الاطلاع على تفسير مختصر لبيان ما يخفى عليه من المعاني والأحكام . مثل كتاب زبدة التفسير للشيخ محمد سليمان الأشقر ، أو تفسير الشيخ محمد حسنين مخلوف ، أوتفسير الجلالين ، أو ما شابه ذلك .
14) محاولة تطبيق كل آية في كتاب الله تمر أثناء القراءة في الواقع واستخراج العبر والعظات من قصص السابقين وتدوينها والرجوع إليها بعد الرجوع إلى التفاسير المعتمدة .
15) الحرص على حفظ الآيات في الصدر كما فعل سلفنا الصالح وكما كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحفظ عشر آيات ولا ينتقل إلى غيرها حتى يطبقها وتكون واقعا عمليا في حياته .
16) الاطلاع على تفسير مطول يتوسع صاحبه في مباحثه ويستطرد في موضوعاته ويعرض ألوانا مختلفة من المعارف والثقافات مثل تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير السعدي وأضواء البيان للشنقيطي .. وغيرها .
وأخيرًا أوصيك بأن :
o تدعو الله بإلحاح بأن يرزقك فهم القرآن وتدبر آياته, وذلك كل مرة .
o تفتح قلبك لكلام الله ليعمل التأثير المطلوب فينيره ويشرحه .
o تخصيص وقت معين يوميًا لورد القرآن .
o تقرأه في مكان هادئ بعيدًا عن الضوضاء والإزعاج .
o أن تقرأه بصوت مسموع .
o القراءة بالترتيل .
o أن تأخذ المعنى الإجمالي للآيات .
o أن تقف عند كل آية لتعطيك ما فيها من معنى .
o أن تكرر الآية التي تتأثر بها .
o أن تعتبر نفسك مخاطبًا بالقرآن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق