الاثنين، 11 فبراير 2013

قراءة في سورة آل عمران :



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يدور موضوع السورة عن الثبات والصبر :
الثبات على الإسلام والتوحيد ، وتفنيد حجج أهل الكتاب وخاصة النصارى وغيرهم من الكافرين .
الثبات الدائم والمصابرة والمرابطة في المحن والنعم على السواء والثبات والصبر في مواجهة أعداء الأمة . 
 حول تسمية السورة :  لعل ذكر آل عمران  وثباتهم على الطاعة يعد طرفا من أسرار تسمية هذه السورة الكريمة .
وذكر النساء فيها يعد تمهيدًا لذكرهن في السورة التي تحمل اسمهن .
وتنقسم السورة إلى قسمين اثنين في الغالب  :
القسم الأول من بداية السورة حتى أكثر من نصفها - هذه الآيات تدلنا على كيفية الثبات في مواجهة الأفكار التي ينشرها ويبثها أهل الكتاب والمشركون ، وعن طبيعة الصراع الدائم والمستمر بين هذا المعسكر وبين المجتمع المسلم , ومن هذا الصراع يتبين أنهم لم يفتروا مرة ولم يتوانوا عن المكر والكيد للمسلمين .
القسم الثاني (ويشمل بقية السورة) وفيها شرح لكيفية الثبات وضرورته داخل الصف المسلم .
وتم ذلك من خلال حادثتين اثنتين هما : وفد نصارى نجران ( في العام التاسع الهجري ) ، وغزوة أحد ( في العام الثالث الهجري ) .
وقد يسأل سائل : إن غزوة أحد حدثت أولا فلماذا تأخر ذكرها في السورة ؟ .
ولعل الإجابة القريبة إلى الذهن تشير إلى أهمية تحقيق الثبات من المخاطر الخارجية أولا ثم يليها في الأهمية الثبات الداخلي للمجتمع المسلم وكلاهما يهدف إلى تحصين جماعة المسلمين .
وفي مناقشة أهل الكتاب جاء الأسلوب واضحا مفهوما يتصف بالإنصاف :
 فذكرت الآيات الكريمة صنفين من أهل الكتاب :
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75 .
وهذا منتهى العدل مع المجادل والإنصاف مع المخالف .  وذكرت أيضًا :
{لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ , وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين } آل عمران113- 114 – 115     .
وفي الانتساب إلى إبراهيم توضح الآيات الصورة وتفك عقدة المسألة فليست الصلة بالنسب ولكن باتباع ملة التوحيد ومنهج الإسلام :
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران68.
فعهد الله لا ينال الظالمين ولا يدرك المنحرفين ولو كانوا من ذرية إبراهيم .
وانظر ماذا قالت آيات سورة البقرة :
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124.
والآيات تحذر المسلمين من أهل الكتاب وتتدرج في الحديث عنهم وفي الجدال معهم حتى تصل إلى المباهلة .
ولذلك تأتي الآيات واضحة مخاطبة مجتمع المسلمين تجلي لهم هذا الأمر :
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19.
وتأتي هذه الآية حاسمة :
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 .
والله عز وجل لا يترك المؤمنين – وحدهم - يقابلون هذا الكيد وذاك المكر ، ولكن يحذرهم من فتن أهل الكتاب ؛ لأن مبتغاهم – في النهاية – أن يعود المسلمون عن إيمانهم ويرتدوا عن دينهم :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }آل عمران100
ويدعوهم إلى الاعتصام بكتابهم وربهم والثبات على دينهم حتى الممات :
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}آل عمران101- 102- 103.
وجاء في مقدمة السورة : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8 .
وبينت السورة الكريمة أسلوب أهل الكتاب والمشركين مع المؤمنين :
إطلاق الشبهات في العقيدة ، إيذاء المؤمنين ، إعلان القتال .
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }آل عمران186 .
ولكن الله تعالى لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً ، وإذا تقابل المعسكران فالنتيجة في النهاية لصالح المؤمنين :
{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }آل عمران .
تعقيب السورة على غزوة أحد :
عقب غزوة بدر جاءت آيات سورة الأنفال بالعتاب لغاية نصف السورة تقريبًا ، وهي الغزوة التي انتصر فيها المسلمون ؛ وذلك بسبب تنازعهم على الغنائم ، وحتى لا يأخذهم العجب بالنصر ولا يلهيهم الظفر عن مسبب النصر .
أما بعد غزوة أحد فجاء التلطف مع المسلمين للتخفيف من وقع الهزيمة على نفوسهم ، مع التربيت على ظهورهم ، والمسح على رءوسهم ، والعفو عن زلاتهم ، مع الثناء على صدق إيمانهم ، وإبراز ثباتهم وضرب الأمثلة من الأمم الخالية من إخوانهم المؤمنين .
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران139- 140 .
(وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آية 146
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آية 173 – 174 .
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 200 .
كما تهون الآيات من شأن الكافرين ؛ فلا ينبغي للمؤمنين أن يقفوا كثيرا عند تغلبهم بعض الوقت ، وهذا لون من ألوان التثبيت :
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران12
{لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196- 197 .
كما لا ينبغي للمؤمنين أن يقفوا عند متاع الدنيا الفاني وينشغلوا به عن النعيم الباقي والخلود المقيم حتى لا تنزلق أقدامهم ويقعوا في حفرة الشهوات حينئذٍ قد لا  يستطيعون النهوض مرة أخرى .
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران15 -14.
وقد ذكرت الآيات الكريمة أسباب الهزيمة :
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران152 .
قال ابن كثير رحمه الله :
{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ } أي: أول النهار { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أي: تقتلونهم  { بِإِذْنِهِ } أي: بتسليطه إياكم عليهم { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } قال ابن جريج: قال ابن عباس: الفشل الجبن، { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ } كما وقع للرماة { مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وهو الظفر منهم { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا } وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } أي: غفر لكم ذلك الصَّنِيع .
قال ابن جريج: قوله: { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قال: لم يستأصلكم. وكذا قال محمد بن إسحاق.اهـ  
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }آل عمران155
وتكاد تتخيل الشيطان وهو يضع كلتا قدميه ليجعل الأقدام تزل وتنزلق , وما كان له أن يفعل ذلك إلا ببعض ما كسبوا من مخالفات .
ولكن الله  عفا عنهم .
وقد حدث ما حدث بإذن الله وإرادته وعلمه ؛ ليعلم المؤمنين ذوي الإيمان الحقيقي :
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران166.
ومن هنا نعلم متى يتسلط الشيطان على الإنسان ، وحينئذ لا يكون الخلاص منه إلا باللجوء إلى الله لينجيه من الزلل وعواقبه .
ويقول صاحب الظلال - رحمه الله- معقبًا على آخر آية في السورة :
وما يهادنها أعداؤها قط في أي زمان أو في أي مكان وفي مقابل ذلك لا تستغني عن المرابطة للجهاد ، حيثما كانت إلى آخر الزمان!
إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي . منهج يتحكم في ضمائرهم ، كما يتحكم في أموالهم ، كما يتحكم في نظام حياتهم ومعايشهم . منهج خير عادل مستقيم . ولكن الشر لا يستريح للمنهج الخير العادل المستقيم؛ والباطل لا يحب الخير والعدل والاستقامة؛ والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة . . ومن ثم ينهد ( ينهض ويتطاول ويصمد ) لهذه الدعوة أعداء من أصحاب الشر والباطل والطغيان . ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الاستنفاع والاستغلال . وينهد لحربها الطغاة المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الطغيان والاستكبار . وينهد لحربها المستهترون المنحلون ، لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن الانحلال والشهوات . . ولا بد من مجاهدتهم جميعاً . ولا بد من الصبر والمصابرة . ولا بد من المرابطة والحراسة . كي لا تؤخذ الأمة المسلمة على غرة من أعدائها الطبيعيين ، الدائمين في كل أرض وفي كل جيل . .
هذه طبيعة هذه الدعوة ، وهذا طريقها . . إنها لا تريد أن تعتدي ؛ ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم . . وهي واجدة أبداً من يكره ذلك المنهج وهذا النظام . ومن يقف في طريقها بالقوة والكيد . ومن يتربص بها الدوائر . ومن يحاربها باليد والقلب واللسان . . ولا بد لها أن تقبل المعركة بكل تكاليفها ، ولا بد لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظة ولا تنام!!
والتقوى . . التقوى تصاحب هذا كله . فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل؛ ويحرسه أن يضعف؛ ويحرسه أن يعتدي؛ ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك .
ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق؛ ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات وشتى اللحظات . .
إنه الإيقاع الأخير في السورة التي حوت ذلك الحشد من الإيقاعات . وهو جماعها كلها ، وجماع التكاليف التي تفرضها هذه الدعوة في عمومها . . ومن ثم يعلق الله بها عاقبة الشوط الطويل وينوط بها الفلاح في هذا المضمار :
{ لعلكم تفلحون }  صدق الله العظيم .                                     
   وعلى الله قصد السبيل .

ليست هناك تعليقات: