وهذه هي الهدية الربانية التي يهديها للناس في الأرض بعقيدة التوحيد ...وهذه هي النعمة الإلهية التي يمن بها على عباده وهو يقول لهم : “ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً “...
وهذه هي الهدية التي يملك أصحاب عقيدة التوحيد أن يهدوها – بدورهم للبشرية كلها . وهذه هي النعمة التي يملكون أن يفيضوا منها على الناس ، بعد أن يفيضوها على أنفسهم ، ويرضوا منها ما رضيه الله لهم .
وهذا هو الجديد الذي يملك لأصحاب عقيدة التوحيد أن يتقدموا به للبشرية اليوم ، كما تقدم به أسلافهم بالأمس فتلقته البشرية يومها كما تتلقى الجديد . ولم تستطع أن تقاوم جاذبيته لأنه يمنحها ما لا تملك ، فهو شيء آخر غير كل ما لديها من تصورات وعقائد ، وأفكار وفلسفات ، وأنظمة وأوضاع .. بكل تأكيد .. لقد قال ربعي بن عامر رسول جيش المسلمين إلى رستم قائد الفرس ، وهو يسأله ما الذي جاء بكم ؟ كلمات قلائل تصور طبيعة هذه العقيدة ، وطبيعة الحركة الإسلامية التي انبثقت منها ، كما تصور طبيعة تصور أهلها لها ، وإدراكهم لحقيقة دورهم بها ..
قال له : "الله ابتعثنا ، لنخرج من شاء ، من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام "
وفي هذه الكلمات القلائل تتركز قاعدة هذه العقيدة ، وتتجلى طبيعة الحركة الإسلامية التي انبثقت منها ، وانطلقت بها
إنها إخراج من شاء الله من عبادة العباد الله وحده .. ورد أمرهم إلى الله – وحده- في الحياة والممات ، في الدنيا والآخرة . وإفراد الله سبحانه بالألوهية وبخصائص الألوهية – والسلطان والحاكمية والتشريع .
وأصحاب عقيدة التوحيد – حين يفيئون إلى منهج الله الذى من به عليهم وينادون به – يملكون أن يقدموا للبشرية منهجا يفوق أعظم المناهج والمذاهب والأنظمة والأوضاع في الأرض كلها بلا استثناء . ومن ثم يكون لهم اليوم وغدا" دور عالمي إنساني كبير . ودور قيادي أصيل في التيارات العالمية الإنسانية . دور يمنحهم سببا" وجيها" للوجود العالمي الإنساني ، وللقيادة العالمية الإنسانية .
إنهم لا يملكون أن يقدموا للبشرية اليوم أمجادا" علمية ، ولا فتوحات حضارية ، يبلغ من ضخامتها أن تفوق تفوقا" ساحقا" على كل ما لدى البشرية منها .. ولكنهم يملكون أن يقدموا لنا شيئا" آخر . شيئا" أعظم من كل الأمجاد العلمية ، والفتوحات الحضارية , إنهم يقدمون تحرير الإنسان بل ميلاد الإنسان .
وهم حين يقدمون للبشرية هذه الهدية يقدمون معها منهجا" كاملا" للحياة منهجا" يقوم على تكريم الإنسان ، وعلى إطلاق يده وعقله وضميره وروحه من كل عبودية ، إطلاقه بكل طاقاته لينهض بالخلافة وهو حر كريم ، يملك إذن أن يقدم الأمجاد العلمية ، والفتوحات الحضارية ، وهو في أوج حريته ، وفى أوج كرامته ، وحينئذ لا يكون عبدا" للإله ، وللبشر معًا
بل يكون عبدا لله وحده .
دكتور / محمد عمارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق