أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.
إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول العقائد و أسس المصالح الاجتماعية , و كليات الشرائع الدنيوية, فيه أوامر وفيه نواه , فهل عمل المسلمون بما في القرآنفاعتقدوا و أيقنوا بما ذكر الله من المعتقدات , و فهموا ما أوضح لهم من الغايات ؟ و هل طبقوا شرائعه الاجتماعية و الحيوية على تصرفاتهم في شؤون حياتهم؟ إن انتهينا من بحثنا أنهم كذلك فقد وصلنا معا إلى الغاية , و إن تكشف البحث عن بعدهم عن طريق القرآن و إهمالهم لتعاليمه و أوامره فاعلم أن مهمتنا أن نعود بأنفسنا و بمن تبعنا إلى هذا السبيل .
ما غاية الناس ومقاصدهم كما بين القرآن ؟
إن القرآن حدد غايات الحياة و مقاصد الناس فيها فبين أن قوما غايتهم من الحياة الأكل و المتعة :
و بين أن قوما مهمتهم في الحياة الزينة و العرض الزائل فقال تبارك و تعالى :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)وبين أن قوما آخرين شأنهم في الحياة إيقاد الفتن و إحياء الشرور , أولئك الذين قال الله فيهم:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ, وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله ُلاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) (البقرة:204-205)تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها و برأهم منها و كلفهم مهمة أرقى , و ألقى على عاتقهم واجبا أسمى ذلك الواجب هو: هداية الناس إلى الحق , و إرشاد الناس جميعا إلى الخير , و إنارة العالم كله بشمس الإسلام فذلك قوله تبارك و تعالى :
و معنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة , و يعطيهم حق الهيمنة و السيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة و إذا فذلك من شأننا لا من شأن الغرب و لمدنية الإسلام لا لمدنية المادة .
و بما أن الغايةهي التي تدفع إلى الطريق , و لما كانت الغاية في أمتنا غامضة مضطربةكان لابد من أن نوضح ونحدد , و أظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح و اتفقنا على أن مهمتنا سيادة الدنيا و إرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة و تعاليمه التي بغيرها لن يسعد الإنسان .
السؤال الأول :من الذي ضيع القرآن ؟ .
الفرد المسلم , والعلماء غير العاملين , والحكام .
السؤال الثاني : ما دورنا نحنإزاء الوضع الراهن للمسلمين ؟.
ج / أن نكون أوصياء على الناس . سيادة الدنيا و إرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة و تعاليمه التي بغيرها لن يسعد الإنسان .
وكيف تكون هذه الوصاية ؟.
ج / تضحية لا استفادة .
ما غاية الناس كما بين القرآن؟ .
المتع , الزينة , الفتن .
وخير الغايات : ( ومن الناس منيشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) .
كيف أسلم كل من : سلمان , بلال , زيد , صهيب؟ وكيف جاءواإلى الجزيرة العربية ؟ .
تتم ورشة حول هذه الأسئلة والإجابة عنها ويقسم الأفراد إلى مجموعات لهذا الغرض .
مظاهر تأثير القرآن في نفوس أوليائه المظهر الأول : تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة ، حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به في الأسحار ، ومناجاتهم العزيز الغفار . وما كان هذا حالاً نادرا فيهم ، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوي النحل بالقرآن . وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن . المظهر الثاني : عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه ، في كل شأن من شؤونهم تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته ، طيبة بذلك نفوسهم ، طيعة أجسامهم ، سخية أيديهم وأرواحهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقا آخر سليم العقيدة صحيح العباة طاهر العادة كريم الخلق نبيل المطمح . المظهر الثالث : استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايته فأخلصوا له وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه وهو مدافع عنه ، ومنهم من انتظر حتى أتاه الله اليقين وهو مجاهد في سبيله مُضحٍ بنفسه ونفيسه . ولقد بلغ الأمر إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرد من يتطوع بالجندية من الشباب لحداثة أسنانهم وكان كثيرا من ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو . المظهر الرابع : ذلك النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن الكريم في هداية العالم في زمن قصير جدًا .
هذا الكتاب يعرّف الناس بربهم على أساس من إثارة العقل وتعميق النظر , ثم يحول هذه المعرفة إلى مهابة لله ويقظة في الضمير , ووجل من التقصير , واستعداد للحساب .
أحسست أن الكتاب الذي بين يدي , يُبدئ ويُعيد في قيادة الناس إلى الله واستثارة مشاعرهم من الأعماق , كي يرتبطوا به ويتوجهوا إليه , ويستعدوا للقائه .إنني أقرأ القرآن وأترك معانيه تنطبع في فؤادي دون تقعر ولا تجرؤ .
كان القرآن الكريم يكتب في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – في سعف النخيل , والعظام , والحجارة الملساء وغير ذلك .
وكتاب الوحي من الصحابةمعروفون , رضي الله عنهم .
ولكن كم من الصحابة أتم حفظ القرآن ؟ .
الواضح أن الصحابة الكرام معظمهم كان يحفظ من القرآن قدرً ا, لكنه لم يتم حفظه , هذا في الغالب .
أما الذين أتموا حفظ القرآن الكريم فكانوا قلة . فقد أخرج البخاري عن أنس – رضي الله عنه – قال : ( مات النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبوا الدرداء , ومعاذ بن جبل , وزيد بن ثابت , وأبو زيد . قال ونحن ورثناه )صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن .
ويلاحظ أن الحفاظ الأربعة من الأنصار .
وذكر البعض أن الحفاظ من الصحابة كانوا أكثر من ذلك وأوصل ( المازري ) العدد إلى خمسة عشر صحابيًا( كتاب علوم القرآن د / محمد السيد جبريل ) .
وعندما جُمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنه , أُخذ من صدور المئات من الرجال , لكنهم لم يكونوا حفاظًا لكل القرآن بالضرورة .
إن المعنى الذي أريد أن أصل إليه هو : أن الصحابة الكرام كانوا يتسابقون في التأثر بالقرآن , والعمل به وتطبيق تعاليمه ؛ فكانوا مثلا عملية , ومشاعل مضيئة , وقرآنا يمشي على الأرض .
أحسنوا التعامل مع القرآن فأخرج منهم نماذجناصعة لم يخرج مثلها التاريخ .
هذه النماذج التي خرجت من قلبالصحراء , أقام الله بها حضارة دانت لها الفرس والروم وقارات العالم, وأصغت لها مسامع الدنيا إلى يومنا هذا , سادت بقيمها , ومبادئها , وأخلاقها , وسلوكها , وليس بمجرد حفظ القرآن في الصدور .
وإذا كنا قد سمعنا عن العباد من التابعين من يصلى الفجر بوضوء العشاء لعدد من الأعوام المتوالية , وعن كثرة الحفاظ للقرآن والحديث الشريف وأبواب العلم .
إلا أن الثابت والأكيد أن الصحابة الكرام كانوا أقوى إيمانا وأثقل ميزانا.
وعندما قال سيدنا أبو هريرة لبعض التابعين : إن هذه الذنوب التي يعتبرها بعضكم ذبابا وقع على وجهه , كان الصحابة يعتبرونها كالجبال ؛ فمعنى هذا أن الفرق بين الصحابة والتابعين , كالفرق بين حجم الذبابة وحجم الجبل !
وبين الله – عز وجل -أن الهدف من إنزال القرآن الكريم هو التدبر :
وكم رأينا من الحفاظمن يجاهر بالمعصية , ويقصر في الفرائض , ويؤيد الظالمين , ويحل الحرام .
هل هذه دعوى لعدم الحفظ , بالطبع لا , بل نريد من شبابنا أن يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وينشغل بالقرآن في حله وترحاله , ولكن ندعوهإلى تدبر القرآن ليتأثر به , ويترك القرآن يغير فيه ليعود نموذجا ربانيا جديدًا وروحا ا يسري في هذه الأمة فيحييها بالقرآن .
وإذا أردنا العودة إلى مجدنا التليد , وماضينا العريق؛ فلا بد من العودةإلىمصدر الوحيالصافي : القرآن والسنة المطهرة .
إذا أردنا أن نقيم حضارتنا من جديد , ونمكن لشرعالله, ونزيح الشر والفساد من الأرض , حتى يعبد الله وحده , ونقضي على العوائق من طريق الدعوة إلى عبادةالله ( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) فلا بد من تطبيق تعاليم القرآن والسنة على مستوى الفرد والمجتمع .
ولنبدأ من تدبر القرآن ,وليعتبر كلٌ منا أن القرآن يخاطبه هو وليوقن بقول الله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .
وأن العاصي أيا كانت معاصيه, وأن المفسد أيا كان فساده؛ فإن القرآن قادر على هدايته : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) .