الأحد، 28 فبراير 2010

منهج القرآن في التعريف بالله

لقد أفاض سيد قطب – رحمه الله – في كتابه مقومات التصور الإسلامي في بيان منهج القرآن في التعريف بالله، وتحويل هذه المعرفة إلى إيمان حي يدفع للسلوك القويم فكان مما قاله :

" والمنهج القرآني يزحم الشعور الإنساني بحقيقة الألوهية، ويأخذ على النفس أقطارها جميعا بهذه الحقيقة وهو يتحدث عن ذات الله – سبحانه – وصفاته، وآثار قدرته وإبداعه، فتتمثل في الضمير البشري تلك الحقيقة.. حقيقة الذات الخالقة لكل شيء، المالكة لكل شيء، المحيطة بكل شيء، المهيمنة على كل شيء، المدبرة لكل شيء، المؤثرة في كل شيء، وتشغل مشاعر الإنسان وحسه، وضميره وعقله وكيانه كله بهذه الحقيقة وخصائصها، وقدرتها وقوتها، ورحمتها ورعايتها، وجلالها ومهابتها، وأنسها وقربها، وإحاطتها بالكون والناس في كل وضع وفي كل حال، بحيث تستشعر النفس – كما هو الأمر في الواقع – أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن ليس مهرب منه ولا فوت، وأن ليس سواه عون ولا سند، وأن ليس هناك وجود لشيء – قائم بذاته – إلا ذات الله سبحانه، القوامة على جميع الخلائق الفانية.
وهذا هو الشعور القوي الغامر الحي الذي يخرج به الإنسان من قراءة القرآن الكريم..

منهج فريد :
والمنهج القرآني في التعريف بحقيقة الألوهية منهج فريد..إنه يوقع على أوتار النفس البشرية جميعها، ويدخل عليها من منافذها كلها، يوقع على أوتار الخوف والحذر والرجاء والطمأنينة، وعلى أوتار المهابة والجلال والأنس والود، وعلى أوتار القهر والجبروت والرأفة والرحمة، وعلى أوتار النقمة والعذاب والنعمة والعطاء، وعلى أوتار المغايرة الكاملة بين الألوهية والعبودية مع الأنس، والقرب بين الله وعباده، ويخاطب وجدان الجمال بما في الكون والنفس من ألوان وأطياف، كما يخاطب وجدان المجهول بالغيب وما وراء الأستار من قدر الله(
[1]).

القرآن وشهادة التوحيد:
"..ولقد جلى القرآن للناس حقيقة الألوهية من خلال آثار فاعليتها المتجلية في الكون والحياة المصرفة لأقدار العباد، وعرض لهم من هذه الآثار في الأنفس والآفاق ما يملأ الكينونة البشرية بالإجلال والحب، وبالخشية والتقوى، وبالرجاء والثقة، وبالأنس والقرب، وبالحذر واليقظة، وبالشعور الدائم بوجود الله – سبحانه – وحضوره، بحيث لا يملك القلب المؤمن أن ينسى، أو أن يغفل عن ذلك الوجود وعن هذا الحضور لحظة في أي وضع وفي أي حال.

وشهادة أن لا إله إلا الله..تتطلب أن يصل الإحساس بوجود الله – سبحانه – ووحدانيته حد اليقين الناشئ من مثل الرؤية والمشاهدة، فهي رؤية ومشاهدة لهذه الحقيقة بآثارها في أغوار النفس المكنونة، وفي صفحات الكون المنشورة..رؤية واضحة ومشاهدة مستيقنة، تقوم عليها شهادة(
[2])".
الدليل الذي يدلنا على الله ويعرفنا به سبحانه هو القرآن . إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ( [الإسراء:9].
فالرغبة والحرص هما مفتاح الإنتفاع بالقرآن، ومفتاح لكل خير..ألم يقل سبحانه: ) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ( [التكوير:27، 28].
[1] مقومات التصور الإسلامي ص (190 - 191) .

[2] مقومات التصور الإسلامي ص (192) .

الأربعاء، 10 فبراير 2010

الشكر



الشكر : تابع الدرس السابع في الدورة الإيمانية .
· الشكر أن تعلم أن النعمة من عند الله .
· والشكر ترك المعاصي .
· لا تقنط ؛ فإن الله يعطي على قدره ويقبل من العباد الشكر على قدرهم .

1 - عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أنعم الله على عبده نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت » .
2 - عن عروة ، عن عائشة ، قالت : دخل النبي فرأى كسرة ملقاة ، فمسحها فقال : « يا عائشة ، أحسني جوار نعم الله ، فإنها قلما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع إليهم » .
3 - حدثنا علي بن داود ، ثنا عبد الله بن صالح ، ثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشي ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة ، لأن الله يقول : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) » سورة : إبراهيم آية رقم : 7
4 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، ثنا أبو معاوية ، وجعفر بن عون ، عن هشام بن عروة ، عن ابن المنكدر ، قال : كان من دعاء رسول الله : « اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك »
5 - حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، حدثني صالح المري ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي الجلد ، قال : قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال : أي رب ، كيف لي أن أشكرك ، وإني لا أصل شكرك إلا بنعمتك ؟ قال : فأتاه الوحي : أن يا داود ، أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني ؟ « قال : بلى يا رب ، قال : » فإني أرضى بذلك منك «
6 - حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المري ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي الجلد ، قال : قرأت في مسألة موسى عليه السلام أنه قال : « يا رب ، كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله ؟ قال : فأتاه الوحي : » أن يا موسى ، الآن شكرتني «
7 - حدثنا عبد العزيز بن بحر ، أنا أبو عقيل ، عن بكر بن عبد الله ، قال : سمعته يقول : « ما قال عبد قط : الحمد لله إلا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فما جزاء تلك النعمة ؟ جزاؤها أن يقول : الحمد لله ، فحاز أخرى ، ولا تنفد نعم الله عز وجل »
8 - حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا أبو يحيى الباهلي ، قال : قال سليمان التيمي : « إن الله أنعم على العباد على قدره ، وكلفهم الشكر على قدرهم »
9 - حدثنا محمد بن عبد الله المديني ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبا الأشهب ، عن الحسن ، قال : سمع نبي الله رجلا يقول : الحمد لله بالإسلام ، فقال : « إنك لتحمد الله على نعمة عظيمة »
10 - حدثني محمد بن الفرج الفراء ، حدثنا محمد بن الزبرقان ، عن ثور ، عن خالد بن معدان ، سمعت عبد الملك بن مروان ، يقول : « ما قال عبد كلمة أحب إليه وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول : الحمد لله الذي أنعم علينا ، وهدانا للإسلام »
11 - حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي أبو عبيدة ، قال : كان الحسن يقول إذا ابتدأ حديثه : « الحمد لله ، اللهم ربنا لك الحمد كما خلقتنا ، ورزقتنا ، وهديتنا ، وعلمتنا ، وأنقذتنا ، وفرجت عنا ، لك الحمد بالإسلام ، والقرآن ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، كبت عدونا ، وبسطت رزقنا ، وأظهرت أمننا ، وجمعت فرقتنا ، وأحسنت معافاتنا ، ومن كل والله ما سألناك ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا ، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم وحديث ، أو سرا أو علانية ، أو خاصة أو عامة ، أو حي أو ميت ، أو شاهد أو غائب ، لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت »
12 - حدثنا عمر بن إسماعيل الهمداني ، حدثنا محمد بن عبيد ، عن يوسف الصباغ ، عن الحسن ، قال : قال موسى عليه السلام : « يا رب ، كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعته إليه ؟ خلقته بيدك ، ونفخت فيه من روحك ، وأسكنته جنتك ، وأمرت الملائكة فسجدوا له ، فقال : » يا موسى ، علم أن ذلك مني فحمدني ، فكان ذلك شكرا لما صنعته له «
13 - حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا حبان بن علي العمري ، عن سعد يعني ابن طريف ، عن الأصبع بن نباتة ، قال : كان علي إذا دخل الخلاء قال : بسم الله الحافظ المؤدي ، وإذا خرج مسح بيديه بطنه ثم قال : يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها
14 - حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعد بن مسعود الثقفي ، قال : « إنما سمي نوح عليه السلام عبدا شكورا ؛ لأنه لم يلبس جديدا ، ولم يأكل طعاما إلا حمد »
15 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ، وأزهر بن مروان الرقاشي ، قالا : حدثنا بشر بن منصور ، وأزهر السليمي ، عن زهير بن محمد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي ، فانطلق معه ، فلما طعم وغسل يده قال : « الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، من (1) علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافأ ، ولا مكفور (2) ولا مستغنى عنه ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وسقى من الشراب ، وكسى من العري ، وهدى من الضلالة ، وبصر من العمى ، وفضلنا على كثير ممن خلقه تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين » .
16 - حدثنا محمد بن إدريس ، حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، حدثنا هاشم بن مخلد المروزي ، عن ورقاء ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي أنه كان يقول : « اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وفجأة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك »
التحذير من عدم الشكر :
17 - حدثنا محمد بن إدريس ، حدثنا يزيد بن أبي يزيد الضبعي ، أنا الفضل بن سلمة ، عن المبارك ، عن الحسن ، قال : إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر قلبها عليهم عذابا .
18 - حدثني محمد بن إدريس ، قال : يروى عن علي ، أنه قال لرجل من همدان : « إن النعمة موصًّلة بالشكر ، والشكر معلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قرن ، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد » .
19 - حدثني محمد بن إدريس ، قال : سمعت عبدة بن سليمان ، سمعت مخلد بن حسين ، يقول : كان يقال : « الشكر ترك المعاصي » .

20 - حدثنا إسحاق بن حاتم المدائني ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا بعض أهل الحجاز ، قال أبو حازم : « كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية ".

نقلا من كتاب ابن أبي الدنيا .

الأحد، 7 فبراير 2010

نسمات من صلاة الضحى



هي دعوة للمؤمن الذي يستوحش من بعد الزمن عن ربه الرحيم أن يرجع إليه ويقف بين يديه شاكرًا ذاكرًا ومناجيًا تائبا .
يتصدق بها عن أعضائه ويشكر بها ربه .
ويكون في كفاية ربه من أول النهار إلى آخره .
وقد وجه النبي الكريم – صلى الله عليه و سلم – المؤمنين أن يقرؤوا في صلاة الضحى بسورتي الشمس والضحى .
فما التوجيه الذي يمكن فهمه من خلال قراءة هاتين السورتين الكريمتين ؟ .
في سورة الشمس أطول قسم في القرآن الكريم ، والمقسم عليه : النفس .
( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) .
وتعطي الآيات صورة كريهة لمن دساها وتبين سوء عاقبتهم :
وهم ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ) .
وفي سورة الضحى :
أسلوب كله لطف ورقة ونداوة من أول السورة إلى آخرها ؛ وذلك بعد إحساس النبي صلى الله عليه وسلم – بشيء من بطء الوحي عليه ، وهو زاده الكبير في هذا الجو المشحون بالتكذيب والعناد والمكابرة ، وهو في قلة من الأتباع ، وكثرة من العقبات .
وإذا بالسورة تنزل بردًا وسلامًا على قلبه صلى الله عليه وسلم .
تربت على ظهره ، وتمسح على رأسه وتطمئن قلبه ، وتثبت قدمه .
وجاء القسم بأفضل وقتين أنسًا وجمالا : الضحى الرائق الونيس , والليل الهادئ اللطيف .
فالله لم يتركه ولم يجافه ، ولم يتخل عنه .
إنه لم يتخل عنه وهو صغير يتيم ، لا مال له ، حائر لا يعرف كيف يعبد ربه .
فآواه وأغناه وهداه .
أيتخلى عنه اليوم وقد كُلف بالرسالة , وحمل الأمانة ؟ !
وتدعو السورة الكريمة الرسول والمؤمنين إلى إكرام اليتيم والمسكين والسائل والمحروم والتحدث بنعمة الله ، نعمة القرآن والإسلام , والنعمة على إطلاقها .
وهذا هو المردود العملي للعبادات من صلوات وزكوات وصيام ...
وأنت أيها المسلم : ( ما ودعك ربك وماقلى ) . والله تعالى قائم على شئون العباد يدبر أمرهم , ويرعى شأنهم ، في كل صغيرة وكبيرة ، لا يغفل عن حاجتهم ولا ينام .
فالمسلم يخرج من بيته وهو حريص على تزكية نفسه ، وهو نظيف السلوك ، طيب القلب خاصة مع اليتامى و المحرومين .
يخرج وهو يدعو الناس إلى الله ويحدث بنعمة الله .
إنها لتربية نبوية عظيمة , وإرشادات إسلامية نبيلة .
فهنيئا للمؤمنين .
( وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) .

الأربعاء، 3 فبراير 2010

من ثمرات التلاوة

سورة الفاتحة
تشتمل على أهداف القرآن
سميت الفاتحة وأم الكتاب والشافية والوافية والكافية والأساس والحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد في صحيح البخاري أن النبي قال لأبي سعيد بن المعلّى: (لأعلّمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) وقد وصفها الله تعالى بالصلاة
فما هو سر هذه السورة؟
سورة الفاتحة مكية وآياتها سبع بالاجماع وسميت الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها فهي اول القرآن ترتيبا لا تنزيلا وهي على قصرها حوت معاني القرآن العظيم واشتملت مقاصده الأساسية بالاجمال فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، العبادة، التشريع، الاعتقاد باليوم الآخر والايمان بصفات الله الحسنى وافراده بالعبادة والاستعانة والدعاء والتوجه اليه جلّ وعلا بطلب الهداية الى الدين الحق والصراط المستقيم والتضرع اليه بالتثبيت على الايمان ونهج سبيل الصالحين وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين وفيها الاخبار عن قصص الامم السابقين والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه وغير ذلك من مقاصد وأهداف فهي كالأم بالنسبة لباقي السور الكريمة ولهذا تسمى بأم الكتاب .
إذن اشتملت سورة الفاتحة على كل معاني القرآن
فهدف السورة الاشتمال على كل معاني واهداف القرآن.
والقرآن نص على : العقيدة والعبادة ومنهج الحياة. والقرآن يدعو للاعتقاد بالله ثم عبادته ثم حدد المنهج في الحياة وهذه نفسها محاور سورة الفاتحة.
العقيدة: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين
العبادة: إياك نعبد وإياك نستعين
مناهج الحياة: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضآلين.
وكل ما يأتي في كل سور وآيات القرآن هو شرح لهذه المحاور الثلاثة.
تذكر سورة الفاتحة بأساسيات الدين ومنها:
شكر نعم الله (الحمد لله)،
والاخلاص لله (إياك نعبد واياك نستعين)،
الصحبة الصالحة (صراط الذين أنعمت عليهم)،
وتذكر أسماء الله الحسنى وصفاته (الرحمن، الرحيم)،
الاستقامة (اهدنا الصراط المستقيم)،
الآخرة (مالك يوم الدين) ويوم الدين هو يوم الحساب.
أهمية الدعاء،
وحدة الأمة (نعبد، نستعين) ورد الدعاء بصيغة الجمع مما يدل على الوحدة ولم يرد بصيغة الافراد.
وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله فأولها ثناء على الله تعالى (الحمد لله رب العالمين) وآخرها دعاء لله بالهداية (إهدنا الصراط المستقيم) ولو قسمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أن نصف عدد حروفها ثناء (63 حرف من الحمد لله الى اياك نستعين) ونصف عدد حروفها دعاء (63 حرف من اهدنا الصراط الى ولا الضآلين) وكأنها اثبات للحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كل شيء. وقد سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لماذا يقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة فأجاب لأستمتع برد ربي.
إذن سورة الفاتحة تسلسل مبادئ القرآن (عقيدة، عبادة، منهج حياة) وهي تثني على الله تعالى وتدعوه لذا فهي اشتملت على كل اساسيات الدين.
أنزل الله تعالى 104 كتب وجمع هذه الكتب كلها في 3 كتب (الزبور، التوراة والانجيل) ثم جمع هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع القرآن في الفاتحة وجمعت الفاتحة في الآية (إياك نعبد واياك نستعين).
وقد افتتح القرآن بها فهي مفتاح القرآن وتحوي كل كنوز القرآن وفيها مدخل لكل سورة من باقي سور القرآن وبينها وبين باقي السور تسلسل بحيث انه يمكن وضعها قبل أي سورة من القرآن ويبقى التسلسل بين السور والمعاني قائما.
لطائف سورة الفاتحة:
آخر سورة الفاتحة قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) وجاءت سورة البقرة بعدها تتحدث عن المغضوب عليهم (بني إسرائيل) وكيف عصوا ربهم ورسولهم وجاءت سورة آل عمران لتتحدث عن الضآلين (النصارى)
وآخر كلمات سورة الفاتحة الدعاء جاءت مرتبطة ببداية سورة البقرة (هدى للمتقين) فكأن (اهدنا الصراط المستقيم) في الفاتحة هو الهدى الذي ورد في سورة البقرة.
بداية السورة (الحمد لله رب العالمين) وهذه أول كلمات المصحف، يقابلها آخر كلمات سورة الناس (من الجنة والناس) ابتدأ تعالى بالعالمين وختم بالجنة والناس بمعنى أن هذا الكتاب فيه الهداية للعالمين وكل مخلوقات الله تعالى من الجنة والناس وليس للبشر وحدهم او للمسلمين فقط دون سواهم.
أحكام التجويد في سورة الفاتحة جاءت ميسرة وليس فيها أياً من الأحكام الصعبة وهذا والعلم عند الله لتيسير تلاوتها وحفظها من كل الناس عرباً كانوا او عجما.
والله تعالى هو الرحمن الرحيم وهو مالك يوم الدين وعلينا أن نحذر عذابه يوم القيامة ويوم الحساب.
والناس هم بحاجة الى معونة الله تعالى لعبادته فلولا معونته سبحانه ما عبدناه (إياك نعبد وإياك نستعين)
وندعو الله تعالى للهداية إلى الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم) وهذا الصراط المستقيم ما هو إلا صراط النبي وصراط السلف الصالح من الصحابة والمقربين (صراط الذين أنعمت عليهم) وندعوه أن يبعدنا عن صراط المغضوب عليهم والضآلين من اليهود والنصارى وكل الكفار الين يحاربون الله ورسوله و والاسلام والمسلمين في كل زمن وعصر (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) .
الآن وقد عرفنا أهداف سورة الفاتحة التي نكررها 17 مرة في صلاة الفريضة يومياً ما عدا النوافل لا شك اننا سنستشعر هذه المعاني ونتدبر معانيها ونحمد الله تعالى ونثني عليه وندعوه بالهداية لصراطه المستقيم.
فإذا قيل لماذا بدئت السورة الكريمة باسم الله ؟ .
قيل للتبرك باسمه سبحانه وتعالى .
ولماذا كانت الآية بعدها الحمد لله رب العالمين ؟ .
لأن الإنسان بمجرد سماعه لاسم ربه المنعم المتفضل ينطق فورا بالحمد لله فليس لأحد فضل عليه مثله .
والإنسان لا يملك الهداية لنفسه ولا لغيره فوجب أن يستعين بالله مولاه أن يثبته على صراط الإسلام ويهديه في نفس الوقت لطريق الذين أنعم الله عليهم ، فكان من رحمة الله بنا أن علمنا هذا الدعاء : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم .
وهذه الأمة ، أمة القرآن هي التي وقع عليها الاصطفاء والاختيار لحمل رسالة التوحيد ، بعد أن فشل في حملها أمم ونجح في حملها آخرون .
فالله – سبحانه – يعلمنا أن ندعوه بأن يقيمنا على طريق الأمة التي نجحت في حمل رسالة الدين كإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب .
وفشل بنو إسرائيل .
فندعو الله أن يثبتنا على طريق الصالحين ، غير طريق المغضوب عليهم ولا الضالين .
والمؤمن موصول القلب بالله تعالى يشعر بفيض نعم ربه عليه وأعلاها نعمة الإسلام والإيمان والقرآن ونعم يعيشها ويستحضرها بين جوانحه فبمجرد وقوفه بين يدي ربه مستفتحا الصلاة : باسم الله الرحمن الرحيم ، يطمئن قلبه ؛ لأنه لم يشكر الله الشكر اللائق به سبحانه ، ومع ذلك يسمح له بالوقوف بين يديه .
وإذا كان الله كذلك فلا بد من شكره سبحانه : الحمد لله رب العالمين .
ثم تأتي الآية الثالثة : الرحمن الرحيم لتعطي الأمل للمقصرين , وتفتح باب الأمل للتائبين , وتطمع الراجين والمحبين .
والآية : إياك نعبد وإياك نستعين .
لأن المرء لا يصح أن يقف منفردًا في هذا الموقف بين يدي ربه العظيم .